قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(الْإِعْجَابُ يَمْنَعُ مِنْ الْازْدِيَادَ)[1]
الإعجاب مشتق من العُجْب وهو لغةً: الزهو، الكِبر. والزهو: الفخر، التيه والكِبر: الظلم[2].
وبحصول هذين الأمرين يقصر الإنسان عن تحقيق المزيد من الطموحات وعن تعديل مستواه الإنتاجي والاجتماعي لأنّه تصوّر في حالة معينة أنّه حقق ما لم يحققه غيره مما يعني التقدم فهو غير محتاج إلى المواصلة والعطاء.
وهنا يكمن الخطر لأنّ روح التقاعس متى سرت في جسد الإنسان سوف تُثْنيه عن تقديم الأفضل أو البحث عن الأفضل لظنه أن ما أنجزه هو الأفضل فلا داعي لاستكشاف غيره.
ولما كانت مسؤولية تنظيم دور الإنسان في الحياة من المسئوليات المنوطة بالقادة المصلحين الموجهين، نجد أنّ الإمام (عليه السلام) يشير إلى أهمية الطموح والتطور والمواصلة وبذل الوسع في إيجاد المزيد وعدم الاقتصار على المنجزات السابقة.
فيريد أن يجعل حالة تسابق مشروع وشريف لدى الأفراد إذ كثيراً ما يندفع الفرد إلى الإنتاج إنّ شعر بمساواة غيره له فيحاول التقدم، وأيضا يندفع إن وجد التشجيع سواء المعنوي أو المادي.
واعتقد أنّ هذه المتابعة من الإمام (عليه السلام) تعتبر دافعاً ومحفزاً نحو الأمام ليتطور وضعنا ومن ثمّ الوضع المحيط بنا فننجح في خلق جوّ حماسي ناتج، مثمر، يتقدم فيه بعضٌ على بعضٍ الآخر بمقدار ما ينجزه وبما يرفد به غيره من خدمات تُحسّن وضع المواطنين له.
ولعلّ مّما يشير إلى هذا التسابق والجو للحماس ما ورّد في القران الكريم والسنّة النّبوية الشريفة من النصوص التي تؤكد على هذا المعنى ضمن إطار قضيتها الخاصة.
فمثلا قوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهَ ِ أَتْقَاكُمْ)[3]، الذي يثير في الإنسان حالة الارتقاء والسمو بنفسه وسلوكه واختياراته وانفعالاته ضمن حالة التقوى التي يهتم بها الكثير بل الغالب إلّا أنها متفاوتة الدراجات فكل بمقدار جهده وما يتوافر عليه من عوامل ضبط النفس ـ بمفهومها العام الشامل لمصاديق متعددة مكثرة ـ يحصل على درجة مناسبة.
ومثلاً ما روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»[4].
الذي يحفز نحو حالة تسعد وترضي كل الأطراف وتبعث على ارتياح النفوس لأن الإنسان المسؤول عن إدارة البيت إن سعى لمعاملة عياله ـ سواء الزوجة أم الأولاد ذكوراً وإناثاً أم غيرها ممن يعاشر ـ معاملة طيبة حسنة سيحصل على مبادلة مرضية ـ إلّا ما شذّ وندر من المبتلين بأهل سوء ـ وإذا حققنا هذا العامل المهم في حياة الرجل ضمنّا حالات تقدم في مسيرة الحياة كثيرة، لاستقراره النفسي وارتياحه العائلي فيكافح من أجل تحقيق الفضل وهذا هو الهدف. إذن تلتقي كل التوجيهات الإصلاحية ضمن خط تحسين الإنتاج وتقديم الأفضل.
ونحو هذين المثالين غيرهما أيضاً مما يكون حاثاً على كيفية معينة تتكفل بجانب من جوانب الحياة الاجتماعية سواء الفردية أو العائلية.
ومما ينبغي فهمه أن العُجب يختلف عن العَجَب، فإن العَجب: انفعال نفساني يعتري الإنسان عند استعظامه أو استطرافه أو إنكاره ما يرد عليه[5].
فهو أمر طبيعي، بينما العُجب أمر مذموم لأنه يعوّد الإنسان على ما لا ينفعه بل يحّجمه ولا ينمّيه وهو مع ذلك يخسّره الكثير من الأصدقاء أو الإبداع.
فلذا ينبغي للإنسان العاقل إذا دخله شيء من العُجب أن يتعوذ بالله تعالى من شر الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، يواظب على ذكر الله تعالى، ويتذكر أعمال غيره ومنجزاته ليعرف أنه سوف يكون كغيره. وأهم شيء في معالجة داء العُجب أن يتواضع للغير لتتعادل لديه الكّفتان: كفة الإعجاب بالنفس، وكفة استصغار المنجزات وأنها بجنب عظمة الله تعالى وما خلقه شي ضئيل.
فالدعوة إذن إلى الجد والاجتهاد ومواصلة العمل لأنّ حالة الرضا عمّا أنجز مع التكاسل عن أداء المزيد تؤثر في خفض معدل الإنتاج ونوعيته وهو ما يضر مرافق الحياة كافة، لأن كل فرد في المجتمع هو عضو مساعد على تنمية روح الحياة والتفاعل فتعمر الأرض وتدوم الحياة[6].
مجلة بيوت المتقين العدد (77)