استنزلوا الرزق بالصدقة

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

(اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ)[1]

الدعوة من أمير المؤمنين(عليه السلام)، إلى أمر اجتماعي بالغ الأهمية حيث يكفل حاجة شريحة ليست بالقليلة في أغلب المجتمعات ـ شريحة الفقراء والمعوزين ـ وطبيعي أن تستفيد هذه الشرائح من هذا الأمر، وهو الصدقة. والصَدَقة: عطية يُراد بها المثوبة لا المكرمة[2].

وبتعبير آخر: ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة[3].

فإذا عرفنا أنّ الصدقة تُعطى طلباً للأجر والثواب وتقرباً لله تعالى فسنعرف أمرين:

الأول: أنْ لا يصاحبها استعلاء وامتنان على المدفوع له؛ لأن الدافع حينما دفع كان لأجل فائدة ينتظرها الإنسان وهي توسعة الرزق وما شابه ذلك، وحالة الاستعلاء تنافي ذلك ـ تماماً ـ بل يلزم التواضع وعدم إشعار الآخذ بكل ما فيه حساسية بحيث تخجله ويحس بوضعه المتدني إزاء غيره، فتُحدث له عقدة نفسية يسعى للتخلّص منها ولا نضمن صحة الطريق الذي يسلكه للتخلص من هذه العقدة التي حصلت له، فقد يستولي على أموال غيره بدون وجه صحيح كالسرقة، والاحتيال، والقتل، والغش، وغيرها من الطرق غير المشروعة في كسب المال، فنخسر بذلك عنصراً صالحاً ـ بحسب طبيعته ـ ضاع منّا بسبب حب الـ(أنا) والتسلّط الذي يجر الإنسان إلى مواقف غير محمودة.

الثاني: انّ الله تعالى الذي يجزي فلا نتوقع الشكر المكافئ من الآخذ، وإنّما كان الدفع توقعاً لزيادة الرزق، فإذا عرفنا أننّا الرابحون قبل الآخذ فسيزداد العطاء ونسيطر ـ نسبياً ـ على حاجة الفقراء، وهذا أمر يحرص عليه أمير المؤمنين(عليه السلام)، بل يحرص عليه كل المصلحين بمختلف مراتبهم؛ لأنّه يسدّ ثغرة كبيرة من الصعب السيطرة عليها لولا وجود الصدقة، وفي المقابل يضمن الإمام(عليه السلام)، للدافع المتصدّق زيادة الرزق وسعته، وهذا ما يسعى إليه الجميع؛ لأنَّ النّاس شغلهم في الحياة الدنيا توسيع مصادر التموين وتكثير الربح؛ فقد دلّ أمير المؤمنين(عليه السلام) النّاس على الطريق إلى ذلك وببدلٍ يسير؛ حيث أن الدافع ـ المتصدق ـ إنّما يدفع القليل ـ مهما كثر ـ إزاء عطاء الله تعالى، إذاً فالرابح هو المتصدّق أكثر من الآخذ الفقير.

فإذا توفرنا على هذين الأمرين كان من الممكن أن تسخو نفوسنا بالدفع لننتشل شريحة كبيرة في المجتمع من واقع الفقر ولنساعدهم على تكوين وضع مناسب فيتساوى الجميع في العمل وإن لم يتساووا في الرزق لأن ذلك بتقدير الحكيم الخبير.

وعندئذ نضمن عدم الفتنة بكل أشكالها: السرقة، القتل، الاحتيال والتزوير، أكل أموال غيرهم بلا وجه شرعي، فإنّ كل واحدة من هذه ونحوها كفيل بإسقاط الإنسان في الهاوية وتعريضه للمساءلة الإلهية وهذا ما نتعوذ منه[4].

إن الصدقة باب للرزق فلا تغلقوه، وطريق للخير فلا تنكبوه. اطلبوا الرزق الواسع بالصدقة، فبها يبارك الله لكم في رزقكم القليل، ولا يفتح عليكم أبواباً تضطرون فيها إلى الدين والسؤال بسبب مرض، أو مصيبة أو غيرها، فالصدقة هي علاج لكثير من الآفات وليس لاستنزال الرزق فقط كما قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في قولٍ آخر «الصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ»[5].

فمَن أراد أن يُرزق فعليه بالصدقة، وعليه بالبذل والعطاء، من غير مَنِّ أو رياء حتى يحصل على الغاية المرجوّة من الله سبحانه وتعالى.

مجلة بيوت المتقين العدد (74)

 


[1] نهج البلاغة: ج1، ص338.

[2] المنجد ص420. مادة صدق.

[3] المفردات في غريب القرآن ص278.

[4] ينظر: أخلاق الإمام علي(عليه السلام): السيد صادق الخرسان، ج1، ص78ـ79.

[5] شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، ج18، ص101.