كرمه وتواضعه مع رعيته

ننقل في هذه المقالة بعض الروايات التي جاء فيها تعامل أمير المؤمنين (عليه السلام) وكرمه وتواضعه مع رعيته
ومما يروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في سيرته العملية: أنه نَظَرَ عَلِيٌّ (عليه السلام) إلَى امرَأَةٍ عَلى كَتِفِها قِربَةُ ماءٍ، فَأَخَذَ مِنهَا القِربَةَ فَحَمَلَها إلى مَوضِعِها، وسَأَلَها عَن حالِها فَقالَت: بَعَثَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صاحِبي(زوجي) إلى بَعضِ الثُّغورِ (مواقع القتال) فَقُتِلَ، وتَرَكَ عَلَيَّ صِبيانا يَتامى، ولَيسَ عِندي شَيءٌ؛ فَقَد ألجَأَتنِي الضَّرورَةُ إلى خِدمَةِ النّاسِ. فَانصَرَفَ وباتَ لَيلَتَهُ قَلِقا، فَلَمّا أصبَحَ حَمَلَ زِنبيلاً (وعاء) فيهِ طَعامٌ، فَقالَ بَعضُهُم: أعطِني أحمِلهُ عَنكَ، فَقالَ: مَن يَحمِلُ وِزري عَنّي يَومَ القِيامَةِ!؟ فَأَتى وقَرَعَ البابَ، فَقالَت: مَن هذا؟ قالَ: أنَا ذلِكَ العَبدُ الَّذي حَمَلَ مَعَكِ القِربَةَ، فَافتَحي فَإِنَّ مَعي شَيئا لِلصِّبيانِ؛ فَقالَت: رَضِيَ اللّه ُ عَنكَ وحَكَمَ بَيني وبَينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ! فَدَخَلَ وقالَ: إنّي أحبَبتُ اكتِسابَ الثَّوابِ فَاختاري بَينَ أن تَعجِنينَ وتَخبِزينَ، وبَينَ أن تُعَلِّلينَ الصِّبيانَ لِأَخبِزَ أنا، فَقالَت: أنَا بِالخُبزِ أبصَرُ وعَلَيهِ أقدَرُ، ولكِن شَأنَكَ وَالصِّبيانَ؛ فَعَلِّلهُم حَتّى أفرَغَ مِنَ الخُبزِ، فَعَمَدَت إلَى الدَّقيقِ فَعَجَنَتهُ، وعَمَدَ عَلِيٌّ (عليه السلام) إلَى اللَّحمِ فَطَبَخَهُ، وجَعَلَ يُلقِمُ الصِّبيانَ مِنَ اللَّحمِ وَالتَّمرِ وغَيرِهِ، فَكُلَّما ناوَلَ الصِّبيانَ مِن ذلِكَ شَيئا قالَ لَهُ: يا بُنَيَّ، اجعَل عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ في حِلٍّ مِمّا مَرَّ في أمرِكَ، فَلَمَّا اختَمَرَ العَجينُ قالَت: يا عَبدَ اللّه ِ، سَجِّرِ التَّنّورَ، فَبادَرَ لِسَجرِهِ، فَلَمّا أشعَلَهُ ولَفَحَ في وَجهِهِ جَعَلَ يَقولُ: ذُق يا عَلِيُّ! هذا جَزاءُ مَن ضَيَّعَ الأَرامِلَ وَاليَتامى. فَرَأَتهُ امرَأَةٌ تَعرِفُهُ فَقالَت: وَيحَكِ! هذا أميرُ المُؤمِنينَ. قالَ: فَبادَرَتِ المَرأَةُ وهِيَ تَقولُ: وا حَيايَ مِنكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ! فَقالَ: بَل وا حَيايَ مِنكِ ـ يا أمَةَ الله ِ ـ فيما َقصَّرتُ في أمرِكِ![1]  

وروي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يحارب رجلاً من المشركين، فقال المشرك: يا بن أبي طالب! هبني سيفك فرماه إليه، فقال المشرك: عجباً يا بن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع إليّ سيفك؟! فقال: يا هذا! إنك مددت يد المسألة إليّ، وليس من الكرم أن يردّ السائل، فرمى الكافر نفسه إلى الأرض وقال: هذه سيرة أهل الدين، فقبل قدمه وأسلم[2].

وروى أبو عبد الله بن حمويه البصري بإسناده عن سالم الجحدري قال شهدتُ علي بن أبي طالب (عليه السلام) أُتي بمالٍ عند المساء، فقال: اقسموا هذا المال، فقالوا: قد أمسينا يا أمير المؤمنين، فأخّره إلى غد، فقال لهم: تقبلون أن أعيش إلى غد؟

فقالوا: ماذا بأيدينا؟ قال: فلا تؤخروه حتى تقسّموه، فأُتي بشمعٍ فقسّموا ذلك المال من تحت ليلتهم[3].

وفي خبرٍ أخر دخل فقير إلى مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) يرجو أن ينال نوال المسلمين ليسد جوعه وجوع عائلته وبحث في المسجد فلم يعطه أحد وكأنه آيس من الحصول على مناه وإذا أحدهم يصلي ـ اي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ـ وهو في حال الركوع يناوله يده وبإصبعه خاتم ويطلب منه القدوم نحوه وخلع الخاتم الذي في خنصره فامتثل ذلك الفقير إلى طلب ذلك الشخص الطيب ويأخذ ذلك الخاتم الثمين ويتوجه إلى بوابة المسجد ويخرج من المسجد وفي السوق يبيعه ليستفيد من ثمنه ويسد جوعه وجوع عائلته وفي هذه الأثناء تنزل الآية الكريمة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[4]

مجلة بيوت المتقين العدد (68)

 


[1] بحار الأنوار: ج41، ص52.

[2] بحار الأنوار: المجلسي، ج41، ص69.

[3] بحار الأنوار: المجلسي، ج41، ص69.

[4] سورة المائدة: آية 55.