قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(مِنْ كَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ: إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ، وَالتَّنْفِيسُ عَنِ الْمكْرُوبِ)[1]
من القضايا التي تمر عادةً بكل أحد مهما كان مستواه الاجتماعي، والثقافي، والمادي، هو تعرضه للضيق، وفقدانه السيطرة على بعض الحالات الخاصة به حتى أنه يكون محتاجاً لمن ينقذه ولو بعرض الحل أو المساعدة الممكنة لكونه متلهفا لذلك، و مضغوطاً عليه في حالة حرجة تحتّم عليه القبول بالوضع الراهن و إلّا لعَايَشَ الأسوأ من البدائل والاحرج من المواقف فيكون مضنوكاً محصوراً حزيناً يستغيث بكل أحد ويطلب المعونة من ايٍّ كان، و هذا موقف مما يتعرض لمواجهته الكثير فيمكنه ان يُجرِّب نفسه ونبلها ومدى حدود الخير فيها ومدى استعداده لتقديم المساعدة والمعونة والمساهمة في إنقاذ ملهوف وإغاثته بما يُنفِّس عنه كربته ومحنته.
ولتأمين ذلك الموقف الانساني النبيل كانت هذه الحكمة من أمير المؤمنين (عليه السلام)، قد أعطت ضماناً بأنّ إغاثة الملهوف وإعانته ونصرته مع ما هو فيه من الورطة والمأزق الحرج، كفيل بتكفير ومحو الذنوب العظيمة التي يرجو الانسان المذنب لها الرحمة والمغفرة من الله سبحانه وتعالى.
إذن فالدعوة الى أن يعيش كل منا اخوّته وإنسانيته مع الآخرين من خلال تقديم المعونة، و الإنقاذ لهم من الموقف الصعب، و المساهمة في حل المشاكل أو تطويقها قدر الامكان بما يحقق معنى الإغاثة، و الإعانة و النصرة و التنفيس عن المتورط الملهوف المكروب، لتكون النتيجة في صالح الجميع فلا يتخلى أحدٌ عن أحدٍ ولا يتنصل من تقديم ما يمكنه من معونة على أساس عدم التدخل فيما لا يعنيه؛ لانَّ الضمان المُقدَّم يدفع بكل أحد للمساهمة كي يأخذ دوره المناسب ليفوز بمحو الذنوب وما اعده الله سبحانه وتعالى لمن يغيث الملهوف، فقد وردت الكثير من الروايات تبين ثواب واجر من نفس الكرب ودفع الضيق عن أخيه، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: (عونك للضعيف من أعظم الصدقة)[2]، وعن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (أن تنفس كربة امرئ مسلم أعظم أجرا من صومك وصلاتك، وهو أفضل ما تقرب به العباد إلى الله عز وجل)المصدر السابق، وعنه (عليه السلام) قال: (من أغاث لهفانا أو كشف كربة مؤمن كتب الله له ثلاثا وسبعين رحمة، ادخر له اثنتين وسبعين رحمة وعجل له واحدة)[3] وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أحب الاعمال إلى الله ثلاثة، إشباع جوعة المسلم، وقضاء دينه، وتنفيس كربته)[4].
ومن منّا لا يحتاج الى ضمانة أكيدة كهذه، وقد صدرت من عبد الله وأخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإمام المتقين (عليه السلام) والمغيثين والمساعدين لمن استجار به واستعان بما لديه من مؤهلات للشفاعة والتفريج. والإغاثة والإعانة والتنفيس قد تأخذ شكل تقديم النصح والمشورة او العون المادي، او المعنوي، او الحماية، او الوساطة.. او مما يحقق هذا الموقف النبيل الذي يؤكد أواصر الارتباط في المجتمع الواحد الذي ينمو ويترعرع عليها ليكون المجتمع آمناً من الدخائل والضغائن والاحقاد والحسابات القديمة قدر الإمكان[5].
مجلة بيوت المتقين العدد (66)