قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَسْتَعِدَّ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً)[1].
إن الحب يعني اللزوم والثبات، وهو ما يقتضي الطاعة والامتثال للمحبوب، ليتحقق اللزوم والثبات بمستوييهما المادي والمعنوي، مع التوطن على تحمّل لوازم ذلك، وهو ما في تفعيل دور التقوى في حياة الفرد، الامر الذي يتطلب مساحة واسعة من الاهتمام والوعي لما يترتب عليه:
1ـ فقد يكون دنيوياً، بالصبر على تدني المستوى المالي وتحمل الفقر، كون متابعة أهل البيت (عليهم السلام)
تستلزم تنفيذ تعاليمهم، وعدم التورط بالحرام، وهو ما يمنع:
(أ) بعض فرص القفز نحو الغنى، لأنه لابد من تحديد الهدف مسبقاً إما طلب الدنيا من دون فرز بين طيب المال وخبيثه، أو البحث عن الحلال والتمسك به دون غيره، على أساس أن غير الحلال مما لا يدوم ولا بركة فيه، وهو أشد أنواع الفيروسات التي تصيب الانسان وتقلل مناعته الايمانية والأخلاقية، ولا تجدي بعد ذلك محاولات المعالجة إلّا بعد التخلص منه جميعاً، وهو ما لا يفعله كثيرٌ، فلذا يُنكبون ويتأثرون بآثاره، ليودعوا السعادة والبركة والاطمئنان والسمعة النزيهة وسواها من عوامل فاعلة ومهمة في استقرار الفرد شخصياً واجتماعياً قال الله تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[2].
(ب) انسيابية العمل وتلكؤه، نتيجة المضايقات الأمنية والمطاردات، أو المصادرات المالية، أو التمييز في فرض الاستثمار، مما يضعف الحالة المعيشية، ولا يتحقق غنى بالمفهوم المادي وعلى مستوى ضخامة الرصيد، للتعاكس البيّن في اتجاهي المعارضة السياسية والانشغال بلوازمها، والارتزاق بالطرق العلنية.
2ـ وقد يكون أخروياً، من حيث الفقر الحقيقي (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[3] (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[4] (الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[5].
مما يدفع باتجاه تأمين الانسان نفسه بما يوفر غناه وسعادته يوم القيامة، من خلال تفضله تعالى بالجنة ونعيمها، فيكون قد أنجاها من تعاسة الفقر، وآمنها من الخوف، وهذا كله مشروط بتفعيل دور التقوى التي تتوافر معها فرص العمل الصالح المتقبَّل قال تعالى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[6].
فالدعوة الى تحمل المشاق الدنيوية من أجل النجاة أخروياً، عندما يجتاز الانسان صعوبات الحساب، سواء كان ذلك بسبب الاضطهاد على الهوية وتحقق المظلومية، أم نتيجة العمل الصالح وتوفر ضمانات حصول الرضوان والغفران.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[7].
وهذا الغنى الحقيقي الذي يكون الانسان قد أحرزه ليوم فقره ولو اقتضى تجرع مرارات دنيوية كالصبر على المكاره وتقليل الملاذ[8].
مجلة بيوت المتقين العدد (63)