علامة الإيمان

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

(عَلاَمَةُ اَلْإِيمَانِ: أَنْ تُؤْثِرَ اَلصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى اَلْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ، وأَلاَّ يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ عَنْ عَمَلِكَ، وأَنْ تَتَّقِيَ اَللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ)[1].

تعريفٌ الإيمان وركائزه لثلاث:

أولاً: تحرّي الصدق في المواقف كافة، لما يمتلكه من مقومات السلامة، ويوفره من معطيات عديدة تُؤمّن للإنسان المتورط فرص النجاة، بما يدلنا على أن الكذب مهما تمثلناه فلا نراه شَفّافا، بل هو قاتم قابض للنفس، يعقبه خجل وندم وتجريم وغيرها من إدانات تكون ولا تزول.

ثانياً: التزام المطابقة بين القول والفعل، وعدم التخلّف عن ذلك، وإلّا كان الإنسان مُنظَّرَاً مع عدم الحاجة العامة لأمثاله، أو كان ثرثاراً وهو غير قليل، فهو في الأحوال كلها لا يسلم من النقد، بخلاف ما لو التزم إجراء الموازنة بين الحديث والعمل، فسُيرجى منه أن ينهض بواقع محيطه، ويُؤثّر بما يرفع أو يُقلّل من معاناة الناس بقدر تعلق الامر به، فيكون مفيداً على مستوى النفع العام.

ثالثاً: الأمانة في تأدية ما لغيره، وخاصة كلامه، لما ينبئ عنه من مستوى إدراكي للناقل والمنقول عنه، مضافاً الى ما تُمثله مهمة النقل من اختبار للقدرة الأدائية التي يفشل فيها غير واحد، بما يكشف عن عدم الورع، واللامبالاة بحقوق الغير، وهو أمر انعكاسي على مستوى الفرد والمجتمع، وله تردداته السلبية، حيث يظهر عدم تفعيله للتقوى في هذا الشأن الحياتي ذي الصلة العامة وهو ما يقلل من فرض الاعتماد عليه، ليفتقد بعض أرصدته المهمة، فيعود خاوياً لا يقدر على التعويض بجوانب أخرى.

فالدعوة الى تجسيد الحالة الاعتقادية عملياً، وتنفيذ المطلوب على مستوى التشريعات كافة من مقاطعة الكذب ولو بأدنى درجاته، ومن الجدية في تفعيل ما يطالب به، فانه لو كان صالحاً فهو أولى من طبَّق ذلك، وإلّا فليكُفَّ تلقائياً، ومن مراعاة حقوق الآخرين في المواقع كافة، وعدم الاقتصار على حال الحضور الجسدي، بل كان الالتزام الأخلاقي يتعدى ذلك فيحفظه في مغيبه أيضاً.

وإن تطبيق هذه الحكمة لكفيل بنشوء مجتمع كفوءٍ بالانطلاق نحو المكارم والمعالي، بعيداً عما يطلقه البعض من شعارات جرداء، كما أنّ مفهوم هذه الدعوة المباركة أنّ عدم الانسجام معها يؤدي الى فشل التجربة الإنسانية في تصحيح المسار وتقليص مساحة الأخطاء التي تُرتكب باسم الإنسانية
 - أحياناً - لنجده (عليه السلام) يبين أن من القضايا ما يلزمنا العمل على تجذيرها اجتماعياً بالوسائل الممكنة كافة، وعدم الاكتفاء بإعلان التضامن والتناغم النفسي المجرد، فكان منه (عليه السلام) سلب صفة الايمان بمفهومه الصحيح عمَن لم يتأثر بهذا الجو الايماني الإنساني، ليؤكد على مواطنته الصالحة، وعضويته المثمرة في اُسرة مجتمعه الكبيرة[2].

مجلة بيوت المتقين العدد (60)

 


[1] نهج البلاغة: الحكمة: 458.

[2] أخلاق الإمام علي (عليه السلام)، السيد صادق الخرسان: ج2، ص123ـ124.