قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(الْفَقْرُ الْمَوْتُ الْأَكْبَرُ)[1].
وقال (عليه السلام) في حكمة أخرى له في نهج البلاغة أيضاً: (الْفَقْرُ فِي الْوَطَنِ غُرْبَة)[2]، وفي قولٍ اخر ورد في النهج أيضاً: (الفقر يخرس الفطن)[3].
وعن النّبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (كاد الفقر أن يكون كفراً)[4].
كل هذه الأقوال وغيرها التي وردت في هذا المضمون تدعو إلى تلافي مشكلة الفقر، والعمل على عدم توسعها، كحالة تفتك بالمجتمع، وتُنذر بحصول المزيد من الانهيارات البنيوية اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً ونفسياً، بما يشتت الفرد والمجتمع، ويؤثر فيهما بما يصعب تداركه وتلافيه، من آثار عديدة؛ إذ يتفشى الجهل مع ما يستتبعه من التخلف، والمشكلات الأخرى، كما يظهر البؤس مع ما يستجرّه من مظاهر الخمول، كما يبرز أثر نقص الأموال مع ما يلازمه من الركود الاقتصادي، بما يمنع من تقدم عجلة الحياة، ومشاركة الآخرين فيما يحرزونه من التقدم والنهوض، مع انعدام فرص الاستثمار أو تضاؤلها، لتبقى البلاد كما غالب العباد ضمن حدود تجميع كُلَف المصروفات، دون التفكير بالإعمار والارتقاء بالواقع الراهن بل لا تتعدى الطموحات تأمين ضروريات العيش في أحسن الحالات.
ولو اننا تعايشنا مع هذا الوضع، فلا نأمن تطوره سلبياً، إلى حدوث أزمات غير منظورة؛ حيث تستغله جماعات الجريمة المنظمة، والمافيات، والعصابات، وغيرها من حالات استغلال الإنسان، دون توقف ضمن حدٍ معين؛ بل يطال الجسد كما الروح، ولا يكتفون بفئة بل الفئات كلها، وهم لا يتورعون عن تلويث، مستوى من المستويات؛ ليظهر جلياً أن الفقر إماتة جماعية، وبشكل تدريجي، ليقضي على منابع الأمل فيجففها، وليقتحم حواجز محترمة، وحصينة فيتجاوزها، ليصبح الإنسان ممَنْ اُنتهكت كرامته نفسياً أو جسدياً، بلا عوازل تفصله عن حافات السقوط، وعندها فلم تبق سوى صور الاحياء المتحركة بأفعال الأجساد، من دون أن يبقى لنا أمل بحياة القلوب؛ ولذلك يقتل، ويستبيح، ويغضب، ويغتصب، بلا وازع أو رادع، وهذه أوضح دلائل الموت.
فكأن أمير المؤمنين (عليه السلام) يصوِّر نهاية المجتمع الذي تموت فيه أواصر التراحم، وتذوب فيه الصلات الإنسانية الجامعة، بأنها نهاية مأساوية، وكارثة بشرية؛ لإصابة أفراده بالموت جسدياً، ونفسياً، بحيث تقل ّ معه فرص توقع النجاة والخلاص، وهو أكبر حجماً من أن تتداركه قوافل مساعدات أو معونات عاجلة؛ لذلك لا يمكننا تفادي المشكلات والنتائج إلّا بالعمل الجاد وذلك من خلال:
أـ تقليل عدد الفقراء؛ بالتزامنا بدفع مستحقاتهم المالية الواجبة، أو بمكافحة البطالة، وتأمين فرص العمل ـ جهد المستطاع ـ .
ب ـ عدم توسيع الفجوة بين المستويات المعيشية ـ قدر الإمكان ـ لئلا تظهر ملامح الحاجة بصورة حادّة، وهذا وغيره من أنواع العلاج مما لا يمكن تقديمه دفعة، كما لم تُخاطب به شريحة خاصة، وإنما كلنا راعٍ وكلّنا مسئولٌ عن رعيته، فهو علاج طويل الأمد، ويجب أن يشارك فيه الجميع، ولا سيما وأنه قد يأخذ شكلاً معنوياً[5].
مجلة بيوت المتقين العدد (58)