قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(أَصْدِقَاؤُكَ ثَلاَثَةٌ، وَأَعْدَاؤُكَ ثَلاَثَةٌ: فَأَصْدِقَاؤُكَ: صَدِيقُكَ، وَصَدِيقُ صَدِيقِكَ، وَعَدُوُّ عَدُوِّكَ. وَأَعْدَاؤكَ: عَدُوُّكَ، وَعَدُوُّ صَدِيقِكَ، وَصَدِيقُ عَدُوِّكَ)[1].
إن العلاقات الاجتماعية تتأطر بأُطرٍ مختلفة، ولذا كان لزاماً التعريف بمَنْ ينبغي إدامة الصلة به، أو قطعها عنه، ومن هنا كانت الدعوة إلى أن يتبين الإنسان هذه التشكيلة التي تُحيط به في دنياه، ليتعامل معها على هذا الأساس من التشخيص الدقيق، والذي قد لوحظت فيه مقومات حالتي الصداقة والعداوة، بحيث قد توافرت في الثلاثة الأولى ميزة الصدق في العلاقة أو العواطف، وبعكسها في الثلاثة الأخرى.
وان مما يُبين دقة هذا الإحصاء، هو الالتفات إلى ان القرب والبُعد المعنويين، مما يتحكم فيهما بشكلٍ مباشر، اما المتمحّض التام في العلاقة، أو القواسم الجامعة، أو المصالح المشتركة، بحيث يكون المعيار مما يتعنون بهذا العنوان أو ذاك، وبالتالي فلابد من معرفة الإنسان لصديقه ولعدوّه، فيأمن للأول، ويحذر الآخر، ثم يرتب حياته على هذا الميزان، واما لو لم يميِّزها فسيتورط من خلال تصرفٍ ما فيندم على ما صدر منه، بل قد يُحاسب عليه، لذلك فمن الضروري الأخذ بهذا التعريف السديد، لتتضح معالم العلاقات، والأُسس التي تقوم عليها لنجد:
أ- أن ما اختاره الإنسان صديقا له، بعدما أقتنع بكفاءته للالتزام بما تفرضه هذه العلاقة من التزامات وارتباطات، فيُعد عندئذ صديقه، وهذا هو التمحض التام في الصداقة والعلاقة.
ب- أن الشخص الذي اختاره الصديق، فهو ثاني الأصدقاء، حيث يتأمن جانبه باختيار الصديق إياه فتصح مصادقته، لوجود القاسم الجامع [وهو الصديق الأول].
ت- أن الشخص الذي عادى العدو، فهو ثالث الأصدقاء، حيث يشتركان في السلبية اتجاه العدو المباشر، فتصح مصادقته، لوجود المصلحة المشتركة، وهي المقاطعة والجفاء للعدو، والذي تتعدد أسبابهما.
ث- ان مَنْ عاداه الإنسان، بعدما لم يكن الاحتفاظ معه بأدنى الود، بل العلاقة العابرة، وإلّا فلا ينبغي التسرع بمعاداته -مهما أمكن- لان الدرجة الأدنى من العلاقة خير من القطع التام، وهذا أمر لا يقوى عليه إلّا من أدرك خلفيات المواقف، وعرف آثار التشنجات وما تخلفه من انشطار في العلاقة، أو تورّم في ضدها، حتى ليتصرف البعض في ذلك الحال بعيداً عن إنسانيته، لأنه الهتُه عداوته عن مراعاة قواعد التعامل الإنساني، فيتحول إلى متلبِّس بمظهر إنساني، غير انه بمعزل عن مقاييسها، بعدما لم تعد الحالة الإنسانية محترمة في النفوس، ومصانة في التصرفات، مما تعدّت إفرازاته موقعها فغيّرت موجة المقاييس، فلم يرَ المتأثر بذلك المعروف معروفا، ولا عكسه كذلك، وهذا تمحض سلبي في العلاقة.
ج- ان مَنْ عاداه الصديق، فهو ثاني الأعداء، بعدما كانت موادّته تعني بوجهٍ ما مغاضبة للصديق، فلا تصح مصادقته، لئلا تتأثر العلاقة بالصديق، لكن ينبغي التوازن في ذلك، لان ذلك المبرر لا يسلب عنه حقوق المواطنة، بل لابد من مراعاتها، لما تدلّل عليه عندئذ من قدرة على الموازنة، وقابلية فائقة على إرضاء النفس والصديق، مع عدم تصفير لائحة الالتزامات الإنسانية، بعد وجود القاسم الجامع.
ح- عكس سابقه، فهو ثالث الأعداء، فانه بعلاقته بالعدو، يؤثر في النفس أثراً سيئاً، فلا تصح مصادقته، حيث لم يرعَ مقتضيات إدامة العلاقة به، كما لم تعد مصلحة مشتركة، بل هي في عدمها، فلو أراد أحد التخفيف من العلاقة فذاك إليه، بعد إقدام صديق العدو على إحداث هزة في أساس العلاقة العامة، فلا يُستغرب للمقاطعة غير الُملغية لحقوق المواطنة[2].
مجلة بيوت المتقين العدد (55)