قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ، وَمَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ، وَمَنْ خَافَ أَمِنَ، وَمَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَر ومَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ، وَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ)[1].
الدعوة إلى اعتماد عدة أمور، واعتبارها أشياء ضرورية أساسية، ليتعود الالتزام بها، والتعايش معها على أساس من الاطمئنان بجدواها، وأهميتها، وفعاليتها الكبيرة في حياة الفرد والمجتمع، وهي:
1ـ أن يحاسب الإنسان نفسه، ويعدَّ أفعاله وأقواله، ويحصي ما صدر منه، ليتعرف على خطئه وصوابه في كل ذلك، فيتحرك في ما بعد على خط الصواب والحكمة، ولا يُجرُّ لتلك المواقف فيما بعد، ولو آمن الإنسان فعلاً بأهمية المحاسبة وعملية الإحصاء اليومي وما تنطبع به أفعاله وأقواله من طابع الانضباط والدقة وعدم التسرع والانفلات ـ لو آمن حقا بذلك ـ، لصار يتصرف ويتلفظ بموجب ضوابط والتزامات، فلا ينفعل، لأنه يعرف انه سيندم، أو سُيحاسب على ذلك فيضبط أعصابه، ولا يتسرع في اتخاذ قرار أو موقف معين إلّا بعد مشاورة وتأمل، لأنه يدرك أنه سيحتمل تبعات القرار والمواقف فيتوازن، و لا ينساق وراء مؤثرات المال، والعاطفة، والجاه، والسياسة والتوجهات الفئوية، والتهديد، والوعيد، إلى اخره، بل يدرس الحالة المعروضة جيداً، فيخطو خطوته المقبلة بكل ثقة وتوازن لينجو من عثرات تلك الخطوة، وينبغي أن تدخل في قائمة الحساب والإحصاء اليومي: الأفعال بشكليها الإيجابي والسلبي، وكذلك الأقوال، إذ قد يصدر من الإنسان ما يستحق الثواب عليه، أو ما يستحق العقاب عليه.
فلا بُدَّ من المواصلة على الخط لو وجد الإنسان أنه استكثر في يومه من عمل إيجابي، كما عليه أن يتنبه للخطر والعقوبة - أحياناً - لو كان العمل سلبياً.
والحصيلة الناتجة من عملية الحساب والإحصاء اليومي تكون لصالح الإنسان ذاته، إذ يتعرف على مواطن القوة والضعف في تصرفاته وأقواله، فلا يغبن، ولا يفأجا، ولا يقف موقف الخاسر الذي لا يمكنه أن ينقذ نفسه، فالمحاسبة سواء أنتجت ناتجاً، يؤشر إلى الإيجاب والخير، أم العكس، فإنما توضح الحالة للإنسان ليستمر، أو يتوقف، إذاً فمن حاسب نفسه فقد ربح النتيجة لصالحه.
وبطبيعة الحال لو غفل الإنسان عن نفسه ولم يحاسبها، وترك الأمور وما يصدر منه من دون مراقبة وملاحظة، فسوف يخسر ويندم، حين لا ينفعه، ويتمنى لو لم يغفل.
2ـ أن تكون النفس خائفة مما تلاقي غداً: ويتضح ذلك من خلال العمل وفق الضوابط الشرعية والالتزام بها من دون تجاوزات، لتكون نتيجة الخوف: الأمن، والارتياح النفسي يوم تفزع فيه القلوب، وتخاف النفوس، وتذهل عن كل عزيز، وكفى بذلك الأمن والارتياح مكسباً يستحق التضحية بملاذِّ الدنيا المؤقتة لأجله، لأن المؤمن حقاً لا تُعرف ميزته وأهميته إلّا ذلك اليوم الذي يتبين فيه المتقون من غيرهم.
3ـ أن يتعظ ويأخذ العبرة مما يشاهده ويسمع به: فتكون تجربة الغير درساً بليغاً مفيداً للإنسان، لينمو وينضج، حتى لا يقع في الموقف نفسه، ومن دون تقديم خسائر، ولتكن النتيجة أنه أبصر طريقه في الحياة من خلال تأثره واعتباره واتعاظه بتجارب الآخرين، فلم يتركها تمر عليه من دون ما استفادة بل اخذ العبرة منها، ليفهم ما عجز عن فهمه، وتفهمه من خلال وسائله الخاصة، لذلك فقد جاءته الفرصة للتفهم من دون تعب ومشقة.
4ـ من جملة ثمرات المحاسبة وعدم الغفلة أن يفتح منافذ تفكيره جيداً، ليستقبل أية معلومة مفيدة قد تنفعه ولو مستقبلاً، فإن محاولة فهم القضايا ومعرفتها وإدراكها تؤدي إلى العلم بتلك القضايا ووضوحها لديه، وانكشاف الخفايا عنده، وهو مطلوب غالباً، وهذه الحكمة لها التأثير العميق في إصلاح الفرد دنيوياً وأخروياً وفي كل المجالات الشيء الكثير[2].
مجلة بيوت المتقين العدد (54)