قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(البُخل جامعٌ لمساوئ العيوب، وهو زِمَامٌ يُقاد به إلى كل سوء)[1]
البخل صفة ذميمة موجبة لهوان صاحبها ومقته وازدرائه، وقد عابها الإسلام وحذّر منها تحذيرا رهيبا، وإن الامساك لا يجدي البخيل نفعاً، وإنما ينعكس عليه إفلاساً وحرماناً، قال تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ...)[2].
فعلى الانسان القضاء على البخل لأنه يذهب بصاحبه إلى الهلاك، وقد حارب الدين الإسلامي بمحاربة هذه الصفة، فوعد الله تعالى الذين يبخلون بما اتاهم من خيرات، وأموال ويكتنزونها ولا يظهرونها للناس ولا ينفقونها على من هو أحوج إليها منهم، ومن يأمر الناس بالبخل، أن سيعذبهم على بخلهم، وعلى فعلهم هذا اشد العذاب، حيث قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)[3].
فالبخل يقود صاحبه الى المساوئ والعيوب، كما ورد في قول الامام علي (عليه السلام): (البخل جامعٌ لمساوئ العيوب، وهو زمام يُقاد به إلى كل سوء)[4].
ففي هذا الحديث دعوة إلى تعويد الإنسان نفسه على الترفّع عن البخل؛ لأنه حالة مذمومة وسيّئة التأثير، فإن الإمساك والشح عن الإنفاق والصرف له آثار سيئة كثيرة، منها:
1- الكذب على الناس خوفاً منهم أن يطلبوا منه المساعدة؛ خشيةً على ماله من النفاذ.
2- البخل يحرّض على كسب المال بكل الوسائل حتى ولو من الطرق غير المشروعة.
3- الحرص على جمع المال، والتقتير في الصرف على النفس أو العيال.
4- التجرّي على التهاون في إخراج الحق الشرعي المترتب بحسب نوعية المال.
5- الظهور بمظهر البائس المُعْدَم فكأنّه يشكو ربَّه إلى الناس بينما قد تفضل تعالى عليه بما يرفع عنه هذه الضائقة المصطنعة
6- التكلم على الآخرين بالباطل واتهامهم بالإتلاف والإسراف وعدم العقلانية في التصرف.
7- الحسد.
8- الحقد.
9- التفتيش وراء الناس بما لا يُحبُّون أن يعلمه أحد من صرف وإنفاق، و...، و...
فالإمساك والشح بجمعها لهذه الخصال وغيرها، صارا مجمعا لقبائح الأفعال والأقوال التي هي مساوى العيوب[5]، ولابد من التمعّن في قوله (عليه السلام):(مساوئ العيوب) فإنه أتى بالمضاف والمضاف إليه مع أن العيوب لوحدها منقصة يبتعد عنها العاقل المتدين، فكيف إذا كان العيب سيّئاً إلى هذه الدرجة، وذلك لأن غالب بني الإنسان متصف بعيب - وهو لغة (النقيصة)-سواء في الخَلْق والمظهر الخارجي أو الأخلاق والطباع، ولكن مع تفاوت في درجات العيب فقد تتضاءل نسبة العيب في حالةٍ بينما تتركز في حالة أخرى فتكون عندئذ من مساوئ العيوب كما في البخل
ثم أضاف (عليه السلام) وصفاً آخر للبخل لنبتعد عنه ونتعوّد الترفع عنه والاحتراز منه، وهو أن البخل يقود صاحبه إلى السوء، ولذا نجد البخيل مذموماً اجتماعياً بدءاً من بيته ومروراً بالمحيط القريب له وانتهاءً بمن يعرف عن هذه الخصلة ولو بعيدا عنه.
وأيضا نجده مُحتقَراً ومنبوذاً ومُستهزَئاً به ومُهانا - في أغلب الحالات إلّا إذ كان عنوانه الاجتماعي يحفظه مؤقتا وإلّا فهو في معرض الإهانة في غيابه ولا يُرتاح إلى وجوده، ولا يُقدَّر، ولا يُصغى لقوله لأنه متَّهم فيه بأنه تحت تأثير البخل.
نعم، قد توجد استثناءات لكنها موقوتة ومحدودة جداً لوجود الحالة الاجتماعية المعيّنة وإلّا فالناس عموماً لا يرتاحون للبخيل ويذمّونه ولا ينفتحون عليه مهما كان قدره إلّا بمقدار الضرورة التي يحتّمها -النفاق الاجتماعي- والمجاملات العرفية. المصدر: أخلاق الامام علي(عليه السلام)، السيد محمد صادق الخرسان: ص118
ومن أسباب البخل، الخوف من الفقر، وهذه من نزعات الشيطان، الذي يزين له حب اكتناز المال، وجمعه، وعدم انفاقه على من هو احق به منه، خوفاٍ على نفسه من أن يقع في الفقر لكن هو واقع في الفقر، لأنه لا ينفق من ماله حتى على نفسه ولكن لا يعلم بذلك، فيعيش حياته كأنه فقيرٌ لا يملك قوت يومه، لكن سيحاسبه الله في الاخرة حساب الغني، كما في قول أمير المؤمنين(عليه السلام): (عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِى إِيَّاهُ طَلَبَ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الْآخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ) [6].
والبخل وإن كان ذميما مقيتا، لكن تختلف صوره وأبعاده، فأقبح صوره وأشدها إثما هو البخل بالفرائض الالهية التي أوجبها الله على المسلمين، كالخمس والزكاة والحج والجهاد، وهذا اقبح البخل كما في قول الامام علي (عليه السلام): (البخل بإخراج ما افترضه الله ُسبحانه من الاموال اقبح البخل)[7].
وابخل الناس من بخل بالسلام، ووردت فيه الكثير من الاقوال للرسول ولأهل بيته الاطهار (عليهم السلام) حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ان أبخل الناس من بخل بالسلام)[8].
وإن البخل يجعل الشخص بعيداً عن الله سبحانه وبعيداً عن الجنة، بعيداً عن المجتمع والناس، لكن بخله يقربه من النار، كما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((...البخيل بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار))[9].
مجلة بيوت المتقين العدد (53)
[1] نهج البلاغة، محمد عبدة، ج4، ص91، ح378.
[2] سورة محمد: 38.
[3] النساء: 38.
[4] نهج البلاغة، محمد عبدة، ج4، ح378، ص91.
[5] المساوئ: جمع المَسَاءة: القبيح من الفعل أو القول. المنجد: ص361 مادة (ساء).
[6] نهج البلاغة، محمد عبده، ح126، ص29.
[7] غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الامدي التميمي، ح2453ص101.
[8] روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص459.
[9] ميزان الحكمة، ج1، ص 233.