العفاف زينة الفقر

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

(الْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ، والشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى)[1]

  لا شكَّ أن لكل شيء في الحياة ما يزيّنه ويحسّنه، وآخر يقبّحه ويسيء إليه، ويصادف الإنسان في حياته تقلبات متعددة تطرأ على شؤون حياته فتغيّرها ألواناً وألواناً، ومن ذلك الفقر والغنى، فإذا كان الفقر والعُدم والحاجة وعدم التمكن من تحقيق المراد لقلة ذات اليد وإعدام المال أو قلته جدا بما يعجز معه عن تسديد الحاجات وتلبية المتطلبات، فحتماً يكون التفكير بالحصول على المال مُلِحّاً جداً، ويتخذ عدة مناحٍ، ويسيطر على تفكير الإنسان بما يلهيه عن التفكير في الشئون الحياتية الأخرى؛ لأن المال وسيلة تخاطب وتعامل وانفتاح وتوصل و..و.. في الحياة، ولكن على المؤمن أن لا ينساق بعيداً وراء ذلك بما يفقده أسسه الإيمانية التي يرتكز عليها إذ ليس المال كل شيء في الحياة أو عند الإنسان، بل لابد من الاقتناع التام بأنه شيء من الأشياء له أهميته وله مفاسده، ومن ذلك أن يلجأ الفقير إلى الوسائل غير السليمة للحصول على المال كالجشع والطمع والسرقة والغش و..و.. لكن إذا سيطر على نفسه وعفَّ عن مال غيره مهما كان المال ومهما كان الغير، زيَّنه ذلك وأضفى عليه رونق العفة والأمانة؛ لأن الكف والامتناع عما لا يحل زينة الفقير إذ قد سيطرت عليه مظاهر البؤس والفقر فلم يعد هناك ما يزينه لا مال، لا جاه، لا منصب، لا سلطة،... لكن جاء العفاف ليزيّنه وليكون ناطقاً عنه بأنه يتمتع بالشيء المهم جداً في الحياة العملية للإنسان بما يحمي المجتمع من حواليه، ويضيف إلى قائمة حسناته حسنة أخرى تكون نقطة تحوّل في غاية الأهمية، إذ الكثير ممن يقتني ويجمع المال، ولكنه من دون عفاف، فلا يترك أي اثر له، أو أي شيء يثير الانتباه إليه. فلابد للإنسان الفقير أن لا يستولي عليه الجزع من وضعه الاقتصادي المادي المتردي، بل عليه أن يعرف جيداً انه يمتلك ما هو أهم من المال عند الأغنياء، وهو حالة السيطرة على النفس، فيمتنع عن الوصول إلى ما لا يحل له، مما يعني انه مراقِب لله تعالى، ومؤمن حق الإيمان لا مجرد رفع الشعار من دون ما تطبيق.

وأيضاً فالغني إنما يزينه ويضفي عليه ما يزيد من احترامه وإكرامه وزيادة النعم عليه إنما هو الشكر، ومعرفة النعمة، وتقديرها، وعدم التنكّر لها، وعدم استعمالها فيما لا يرضى الله تعالى، وعدم الاستعانة بها على المعاصي، بما يحقق للشكر مظاهر عديدة غير مقتصرة على اللسان بل يتعمق في داخل الإنسان فيظهر من خلال تصرفاته وأفعاله مما يدلل على الشكر وعرفان النعمة والثناء على المنعم تعالى، فلا بدّ للغني أن يعرف أن المال وديعة عنده، لا دوام له، والشواهد على ذلك كثيرة بما يدعم الفكرة ويقنع بها، فعليه أن يغتنم وجوده ليستعين به على طاعة الله ومراضيه بما يرفّه به على عياله، أو يعين من حواليه، ومن يعرف حاجتهم بما أمكنه من ذلك، وعليه أن يحسن التلقي لأنه لو أساء ذلك لذهبت النعمة عنه ولا تعود إليه، وعليه أن لا يغتر بتوارد النعم عليه، فليس ذلك مؤشراً ايجابياً دائماً بل قد یکون للاستدراج والاختبار.

وعليه أن يشكر الله ويثني عليه بما يليق به مما يقدر عليه قولا وفعلاً، ولا يکون تقليدياً في إظهار الشکر من خلال ترديد عبارات الشکر[2].

مجلة بيوت المتقين العدد (52)

 


[1]  نهج البلاغة: ص479.

[2] أخلاق الإمام علي(عليه السلام)، السيد محمد صادق الخرسان: ص205.