قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ الْمَعَادَ، وعَمِلَ لِلْحِسَابِ، وقَنِعَ بِالْكَفَافِ، ورَضِيَ عَنِ اللَّه)[1]
ضمانة أكيدة بالحصول على (كل مستطاب في الجنة من بقاء بلا فناء وعز بلا زوال وغنى بلا فقر)[2] وهو ما يسعى اليه المؤمن بل العاقل عموماً لأنه هو الشيء الوحيد المنتظَر بعد رحلة العناء والتعب الدنيوي، وهذا الضمان يتوفر لمن توفرت فيه المميزات الأتية:
الأولى: أن يعرف دائماً أنه سيُحاسب على أعماله وأقواله في يوم القيامة، وأن ذلك حتميّ لا مفرّ منه، ولا يمكن التزوير في الحقائق؛ لأن المعلومات موثّقة بما يدين المسيء ويُثبت الحق لمستحقه، فإذا تذكّر الإنسان دائماً أنَّ الله تعالى أوجده من العدم وخلقه في هذه الدنيا وسوف يُعيده بعد الموت حيّاً، ليحاسبه ويجزيه حسب مقتضيات العدل الالهي، فسيخفف من غلوائه وجشعه وتكالبه على الدنيا وجمعها والإساءة فيها، وعند ذلك يؤمّن لنفسه مقراً في الجنة بإذن الله تعالى.
الثانية: أن تكون أعماله في الدنيا، وما يفعله، وما يقوم به إنما يساعده على تجاوز محنة الحساب، ويخفّف عنه ثقل الحساب، ويهوّن عليه الحساب، إذن فالاهتمام بالدرجة الأولى فيما يمارسه الإنسان من أعمال، وما يصدر منه إنما هو الحساب؛ لأنه يعني الإخضاع للمُسائلة الدقيقة والعسيرة أحياناً وهذا وحده كافٍ في الاهتمام بالحساب، لأن المحاسِب المدقِّق هو الله تعالى المطلع على السرائر الذي لا تخفى عليه خافية وهو أقرب إلى عبده من حبل الوريد، فهو يعلم خطرات قلبه، وما ينوي القيام به قبل المباشرة، مما يشكّل طَوقاً مُحكماً على أفعال الإنسان وتصرفاته، فلا يخرج بها عن الحدود المسموح بها شرعاً.
فالاهتمام بالحساب إنما هو لمصلحة الإنسان؛ ليسهل عليه وقوفه عند المساءلة الإلهية.
الثالثة: أن يكون الإنسان راضياً بما قُسِم له مما يسد احتياجه اليومي، ويوفر له ما يستره ويحميه من الذل للغير بما يجعله متسوّلاً، أو متمنناً الآخرين الذين لا يتساوون في كيفية الرد، فقد يكون عنيفاً، فتكون الصدمة وعندها تتضاعف المشكلة، ويتفاقم الحل ويصعب.
أما إذا تعود أن يرضى بما أعطاه الله تعالى فسيكون قانعاً، وهذا لا يعني في حال من الأحوال عدم السعي وراء مصدر الرزق، بل على الإنسان أن يبذل الجهد الممکن لتحصیل ما یؤمّن احتیاجه، ولکن بدون لهفة واندفاع بما یصرف الإنسان عن التوكل على الله تعالى والاستعانة به والرضا بمقسومه، ولو فقد الإنسان وسائل اتصاله بالله تعالى فإنما يحكم على نفسه بالخيبة والحَيْرة بقية عمره.
الرابعة: أن يكون مؤدباً في تعامله مع ربه وخالقه ومكوّنه من العدم إنساناً سوياً، فلا ينقم أو يجزع أو يشكو من حالة تمرّ به مهما كانت شدة وطأتها، لأن الله تعالى عادل غنيّ عن عباده لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضره معصية من عصاه.
إذن فهو تعالى غير متهم بالحيف والظلم والتجاوز، لأنه منزه عن كل النقائص؛ فانه الغني المطلق، والإنسان هو المحتاج المطلق، فعليه أن يخضع ويخشع فيرضى ويسلم لعظمته تعالى، ليكون بذلك من المرضيين لديه تعالى، وهو غاية الطموح وأقصى المأمول.
فالدعوة إذن للتحلّي بهذه المميزات لينطبع الإنسان بطابع يؤهله للوصول إلى ما يتمناه في الأخرة، التي يكون الإنسان فيها وحيداً لا ينفعه مال ولا ولد، بل يتخلى عنه كل أحد إلا ما قدّمه من أعمال صالحة والتي منها هذه المميزات الأربع.
مجلة بيوت المتقين العدد (51)