قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(أعجز الناس مَنْ عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه مَنْ ضَيَّع مَنْ ظفر به منهم)
الدعوة إلى المحافظة على العلاقة القائمة بين أفراد المجتمع والتي تسمى (الصداقة) وهو معنى له مدلوله الخاص المشتق من الصدق في المشاعر، والمعاشرة، والمواساة، والارتباط؛ لأن الإنسان قد يقيم علاقة مع إنسان آخر لكنها لا تعدو أكثر من كونها تعارف تم بين اثنين يؤطره وجود المصلحة وهي في ذات الوقت عمود العلاقة ولذا نرى كثيرا ما تفشل علاقات اجتماعية كانوا يبالغون في وصفها بالأخوة والصداقة الحميمة والحب و.. و.. إلا أنها أول ما تعرضت لحالة اختبار فشلت ولم تقف صامدة بوجه المصالح لتجعل العلاقة وما تحتمه من وفاء وإخلاص وتضحية فوق كل مصلحة، ولعل من أسباب ذلك هو الانخداع وعدم الانتقاء المناسب للأصدقاء.
فهي دعوة لأمرين يحتاج إليها المجتمع كثيراً لأنهما يساعدان على تكميل نواة المجتمع الصالح، إذ بدونهما يعوزه الكثير فلا يكون المجتمع متكاملاً:
الأول: الانفتاح على إقامة علاقات اجتماعية مفيدة لما في ذلك من مكاسب روحية ومادية، أخرويا ودنيويا: فإن الإنسان قد ينفتح على صديقه فيفضي بهمومه وشجونه فيشعر عندئذ براحة نفسية، وقد ينصلح بصلاح صديقه لأنه تأثر به فاستفاد معنويا وروحيا فسمت روحه وارتفع عن الحضيض وهو مكسب مهم في تاريخ العلاقة قد يعجز عن تحقيقه الكثير وهو إذا تحقق يحوز على رضوان الله تعالى ورضاه وهو غاية ما يتمناه الإنسان المؤمن في حياته وعلاقاته. وقد ينتفع معه بشركة في عمل أو غير ذلك في مجالات الاستثمار والعمل فيستفيد من جراء إقامة العلاقة مادياً فيتحسن وضعه المادي والاقتصادي والاجتماعي.
الثاني: المحافظة على بقاء العلاقة وإدامتها بما يضمن وجودها وتركيزها حتى تدوم المحبة والألفة لتكون قرابة، وقد روي عن الإمام الباقر(عليه السلام)أن (صحبة عشرين سنة قرابة)[1] وما ذلك إلا لعمق العلاقة التي مرت بمختلف الأحوال التي تظهر الإنسان الصديق على واقعه ويعرف معدنه.
فلا بد من الوفاء للأصدقاء والإخلاص معهم فلا تكون العلاقة مربوطة بالمصالح المؤقتة بل لتثمر ما هو أنفع وهو تكثير عدد الإخوان الذين يحتاج إليهم الإنسان بحسب طبيعته فيتكثّر بإخوانه ويتعزّز بهم وينتصر بهم ليشعر بالاطمئنان والراحة النفسية من هذه الناحية وهي مهمة جدا.
ومن استعمال الإمام (عليه السلام) كلمة (الإخوان) بدلا من (الأصدقاء) نعرف السر وراء الاختيار فإن الأخ هو ( مَنْ جمعك وإياه صُلب أو بطن )[2] ثم استعمل في الصديق الذي لا يرتبط به في صلب أو بطن وإنما ربطتهما معان سامية تقيّد كلٌّ منهما بها فأخذت بهما إلى حيث الانفتاح والانشداد والحب والوفاء فيجد في لقائه وصحبته متنفَّسا من الهموم المحيطة به فيرتاح إليه.
مجلة بيوت المتقين العدد (48)