أشد الذنوب

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

(أشد الذنوب ما استهان به صاحبه)

 التنبيه على أمر كثيراً ما يصدر من الناس عامة ولا يقدّرون ما السيئة وذلك هو الاستهانة بالذنب فإنّ الإنسان قد يذنب، لأن المعصومين من البشر معدودون وهم الأنبياء والأئمة الاثنا عشر مضافاً إلى الصديقة الزهراء عليها السلام ومن عداهم فمعرّض للخطأ وارتكاب الذنب.

  فإذا صدر منه ذلك وتاب منه واستغفر، فتشمله رحمة الله تعالى ويسعه عفوه ومغفرته، أما إذا استهان ولم يعتبره ذنبا يستحق الاستغفار؛ لأنه لم يدرك أنه تجاوزٌ وتقصيرٌ ينبغي التراجع عنه وعدم الإصرار عليه، على أساس أن غيره يذنب ما هو أكبر من هذا وما هو أشد ونحو ذلك من المقايسات التي ورد النهي عنها؛ لأن كل ذنب - مهما صغر - كبيرٌ إزاء الخالق تعالى، بعدما أنعم على الإنسان بالوجود وبما يستفيد منه في الحياة من حيوان أو نبات أو جماد فلا يناسب أن يقابل ذلك بالجحود و التضييع وعدم المبالاة؛ لأن ذلك مما يسبب - حتماً - الحرمان والضياع وهو ما يخشاه كل عاقل، - فإذا أصرَّ العبد على ذنبه واستهان به فتترتب العقوبة المضاعفة.

إذن علينا أن نَعِي هذا التحذير جيداً فنستغفر من ذنوبنا ولا نُصرَّ عليها وكأنها أمر نعتز به، إنما ذلك من تسويلات الشيطان وتصويرات النفس الأمّارة بالسوء.

وإنا جميعاً نعلم أن كل تجاوز ومخالفة يُعاقب عليها في القوانين السماوية أو الوضعية إلا أن يستسمح بعدما يشعر الإنسان بسوء عمله، فتعطى له فرصة تصحيح خطئه لكن ذلك على نطاق محدود مثل: الجاهل الذي لا يعلم بالتشريع ولم يسعه التعلم بحكم طبيعة وضعه الاجتماعي أو الجغرافي وهو ما يسمى بـ (القاصر) ومَنْ عداه فيترك الأمر لتقدير المقنِّن والمشرِّع فإن رأى أنَّ من المصلحة والحكمة العفو عنه، عفا عنه ليكسبه لصف المبدأ الذي يتخذه ويدعو إليه، وإلّا فيطبّق عليه القانون بحذافيره ليرتدع هو وغيره.

والذنب لغة: الجُرم[1]، ويستعمل في كل فعل يُستوخم عقباه اعتباراً بذَنَب الشيء ولهذا يسمى الذّنْبُ تَبِعَةً اعتبارا لما يحصل من عاقبته[2].

ومن هذا التعريف اللغوي يتضح أن الذنب حالة تأخر تحصل عند الإنسان ولا يشعر بذلك الكثير، إذ ذَنَبُ الحيوان يكون في مؤخرة جسده كما هو معروف وقد أُخِذ الذنبُ من ذلك كما عرفنا، ولا أحسب أن عاقلا أيةً كانت ثقافته يرضى بأن يكون بهذه الحالة التي تعتبر جُرماً يعرِّضه للمساءلة والمحاسبة كما تعتبر مؤشرا على تأخره في مستوى تفكيره وعمله، لأن الله تعالى عندما خلق الإنسان أختار له أحسن مستوى إذ جعله عاقلا فإذا لم يحافظ على ميزان عقله الصحيح نعرف أنه متأخر عن هذا المستوى المتقدم.

إذن فنخلص إلى لزوم الحذر من الوقوع في الذنب وإذا ما حصل ذلك فيلزم الاعتراف والاستغفار وعدم الإصرار عليه لأنه يشكل حالة سلبية.

مجلة بيوت المتقين العدد (47)

 


[1] المنجد: ص239.

[2] المفردات في غريب القرآن: ص181.