قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
(إذا ازدحم الجواب خفي الصواب)
تتضمن هذه الكلمة القصيرة لأمير المؤمنين (عليه السلام) الدعوة إلى التأمل والتريث في الجواب عن أي شيء يُسأل عنه الإنسان، وأن لا يتعجل ولا يرتجل الجواب بل عليه أن يختار الكلمات المناسبة فلا يربك السامع بحشد من الكلمات لا كثير فائدة منها؛ لأن ذلك يورّطه في مطبّات لم يكن قد حسب لها فيضطر للإعادة والتكرار، أو يدخل في متاهات الجدل والمغالطة لإثبات صوابه والتغلب على المقابل، ولذلك مضاعفات سلبية:
أولاً: يمنع نفسه من الزيادة فإنه مادام جاهلا أمكن للغير تعليمه، وأما إن أبدى علمه بكل شيء منع الغير من ذلك، ويكون ضعيف الجانب لأنه لم يتوفر على معلومات غيره بل بقي جامداً على معلوماته التي لا تخلو من الأخطاء والأغلاط - غالباً -.
ثانياً: يتورط في الكذب، إذ يوجد الكثير ممن يتفادى تسجيل حالة الفشل عليه فيجترئ على الكذب مع علمه بحرمته، أو يتورط في بهتان غيره بما وقع هو فيه تخلصاً من حالة الإحراج فينسب القول بذلك إلى من لم يتفوه به.
ثالثاً: يتعب نفسه ويخسر جهده ويضيع عليه وقته بينما لو وازن بين السؤال وتأدية الجواب لكان أنفع.
وعلاج مثل ذلك كله أنه أذا سُئل: فكّر جيدا في السؤال ونوعه ثم يفكر في الجواب المناسب وطريقة تأديته، لأن الذهن يحتوي على معلومات كثير جدا لا يمكن الاستفادة منها - في مقام الجواب - إن لم يلجأ إلى التنظيم والتبويب وطريقة العرض المناسب لهذا المخزون الفكري. وإلاّ فيتكلم بما هو بعيد عن جوّ السؤال وذلك من علامات الارتجال والاستعجال وعدم التدبر في عرض المعلومة في المحل المناسب. فلابد من التوقّي من حالات الفشل والإحراج واللف والدوران في الجواب، بالتأمل والتريث واختيار المناسب ليحصل على الجواب الصواب. كما أنه يمكن استفادة الحكمة من أمر يحدث بين بعض الطبقات ولدى بعض الأفراد وذلك بأن يبادر للجواب أكثر من شخص فيقع السائل في مشتبك من الأجوبة وقد يخفى عليه الصحيح منها فيزداد حيرة.
إذن على الإنسان أن يلحظ هذا الأمر جيداً من زاويتين:
الأولى: ما يقتضيه الأدب واللياقة في التصرف مع المسؤول.
الاخرى: ارباك الوضع على السائل فلا يخرج بنتيجة مرضية[1].
مجلة بيوت المتقين العدد (46)