رجل من السند والهند

روى أبو الصلت الهروي عن الامام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (قال لي أبي موسى (عليه السلام): كنت جالساً عند أبي (عليه السلام) إذ دخل عليه بعض أوليائنا، فقال: بالباب ركب كثير يريدون الدخول عليك.

فقال [لي]: أنظر من بالباب.

فنظرتُ إلى جِمالٍ كثيرةٍ عليها صناديق، ورجل راكب فرساً، فقلتُ: من الرجل؟

فقال: رجل من السند والهند، أردتُ الإمام جعفر بن محمد (عليهما السلام)،

 فأعلمتُ والدي بذلك، فقال: لا تأذن للنجس الخائن. فأقام بالباب مدة مديدة، فلا يؤذن له حتى شفع يزيد بن سليمان، ومحمد بن سليمان، فأذن له.

فدخل الهندي وجثى بين يديه، فقال: أصلح الله الإمام، أنا رجل من بلد الهند من قِبَلِ مَلِكها، بعثني إليك بكتاب مختوم، ولي بالباب حَوْل لم تأذن لي فما ذنبي؟ أهكذا يفعل الأنبياء؟

قال: فطأطأ رأسه ثم قال: (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)[1]، وليس مثلك من يطأ مجالس الأنبياء.

قال موسى (عليه السلام): فأمرني أبي بأخذ الكتاب وفكه فكان فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم إلى جعفر بن محمد [الصادق] الطاهر من كل نجس من ملك الهند.

أما بعد فقد هداني الله على يديك، وإنه أُهدي إليَّ جارية لم أرَ أحسن منها ولم أجد أحداً يستأهلها غيرك، فبعثتها إليك مع شيء من الحليّ والجواهر والطيب، ثم جمعت وزرائي فاخترت منهم ألف رجل يصلحون للأمانة، واخترت من الألف مائة، واخترت من المائة عشرة، واخترت من العشرة واحداً، وهو (ميزاب بن حباب) لم أرَ أوثق منه، فبعثتُ على يده هذه [الجارية والهدية]).

فقال جعفر (عليه السلام): ارجع أيها الخائن، ما كنت بالذي أقبلها [أتقبلها]، لأنك خائن فيما ائتمنتَ عليه، فحلف أنه ما خان.

فقال (عليه السلام): إن شهد عليكَ بعضُ ثيابِكَ بما خنت تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله)؟

 قال: أو تعفيني من ذلك؟

قال: أَكتبْ إلى صاحبكَ بما فعلتَ.

 قال الهندي: إن علمتَ [إن كنتُ فعلتُ] شيئاً فاكتب، وكان عليه فروة فأمره بخلعها، ثم قام الإمام فركع ركعتين، ثم سجد.

قال موسى (عليه السلام): فسمعته في سجوده يقول: (اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وأمينك في خلقك وآله، وأن تأذن لفرو هذا الهندي أن يتكلم [أن ينطق بفعله وأن يحكم] بلسان عربي مبين يسمعه من في المجلس من أوليائنا [أوليائك]، ليكون ذلك عندهم آية من آيات أهل البيت [أهل بيت نبيك]، فيزدادوا إيماناً مع إيمانهم.

ثم رفع رأسه فقال: أيها الفرو تكلّم بما تعلم من هذا الهندي.

قال موسى (عليه السلام): فانتفضتْ الفروة وصارت كالكبش، وقالتْ: يا ابن رسول الله ائتمنه المَلِك على هذه الجارية وما معها، وأوصاه بحفظها حتى صرنا إلى بعض الصحاري، أصابنا المطر وابتلَّ جميع ما معنا، ثم احتبس المطر وطلعت الشمس، فنادى خادماً كان مع الجارية يخدمها يقال له بشر [وقال له:] لو دخلتَ هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطعام، ودفع إليه دراهم، ودخل الخادم المدينة، فأمر الميزاب هذه الجارية أن تخرج من قبّتها إلى مضرب قد نُصب [ لها ] في الشمس، فخرجتْ، وكشفتْ عن ساقيها إذ [ كان ] في الأرض وحل، ونظر هذا الخائن إليها، فراودها عن نفسها، فأجابته، وفجر بها، وخانك.

فخرَّ الهندي [على الأرض]، فقال: ارحمني فقد أخطأت، وأقرَّ بذلك، ثم صار فروة كما كانتْ، وأمره أن يلبسها، فلما لبسها انضمتْ في حلقة وخنقته حتى اسودَّ وجهه.

فقال الصادق (عليه السلام): أيها الفرو خلِّ عنه، حتى يرجع إلى صاحبه، فيكون هو أولى به منّا، فانحلَّ الفرو [وقال (عليه السلام): خذ هديتك وارجع إلى صاحبك]، فقال الهندي: الله الله [يا مولاي] فيَّ فإنّكَ إن رددتَ الهدية خشيتُ أن يَنكرَ ذلكَ عليَّ، فإنه شديد العقوبة.

 فقال (عليه السلام): أسلم أعطكَ الجارية، فأبى، فقَبِل الهدية، وردَّ الجارية.

فلما رجع إلى المَلِك، رجع الجواب إلى أبي بعد أشهر [شهر] فيه مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم إلى جعفر بن محمد الإمام (عليه السلام) من مَلِك الهند: أما بعد فقد كنت أهديتُ إليك جارية فقبلتَ منّي ما لا قيمة له، ورددتَ الجارية فأنكر ذلك قلبي، وعلمتُ أن الأنبياء وأولاد الأنبياء معهم فراسة، فنظرت إلى الرسول بعين الخيانة، فاخترعتُ كتاباً وأعلمته أنه (جاءني منك بخيانة) [قد أتاني منك وقد عرفت الخيانة] وحلفت أنه لا ينجيه إلا الصدق، فأقرَّ بما فعل، وأقرّتْ الجارية بمثل ذلك، وأخبرتْ بما كان من أمر الفرو[الفروة]، فتعجبتُ من ذلك، وضربتُ عنقها وعنقه، وأن أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. واعلم أني [واصل] على أثر الكتاب، فما أقام إلا مدة يسيرة، حتى ترك [حتى أتى إلى أبي] ملك الهند، وأسلم وحسن إسلامه)[2].

 


[1] سورة ص: 88.

[2] الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي: ج1، ص299-303.