اللهم إن كان كاذباً فأمته

روي عن الرضا، عن أبيه (عليهما السلام) قال: «جاء رجل إلى جعفر بن محمد (عليهما السلام) فقال له: انج بنفسك، هذا فلان بن فلان قد وشى بك إلى المنصور، وذكر أنك تأخذ البيعة لنفسك على الناس، لتخرج عليهم، فتبسم (عليه السلام) وقال: (يا عبد الله لا ترع، فإنَّ الله إذا أراد فضيلة كتمت، أو جحدت أثار عليها حاسداً باغياً يحرّكها حتى يبيّنها، اقعد معي حتى يأتيني الطلب، فتمضي معي إلى هناك، حتى تشاهد ما يجري من قدرة الله، التي لا معزل عنها لمؤمن ) فجاؤا وقالوا: أجب أمير المؤمنين، فخرج الصادق (عليه السلام) ودخل، وقد امتلأ المنصور غيظاً وغضباً فقال له:

أنت الذي تأخذ البيعة لنفسك على المسلمين، تريد أن تفرّق جماعتهم، وتسعى في هلكتهم، وتُفسد ذات بينهم؟

 فقال الصادق (عليه السلام): (ما فعلت شيئاً من هذا).

قال المنصور: فهذا فلان يذكر أنك فعلت، فقال: إنه كاذب.

 قال المنصور، إني احلفه إن حلف كفيتُ نفسي مؤنتك فقال الصادق (عليه السلام): (إنه إذا حلف كاذباً باء بإثم)

قال المنصور لحاجبه: حلّف هذا الرجل على ما حكاه عن هذا - يعني الصادق (عليه السلام)، فقال الحاجب: قل: والله الذي لا إله إلا هو، وجعل يغلظ عليه اليمين، فقال الصادق (عليه السلام): (لا تحلّفه هكذا، فإني سمعت أبي يذكر عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إن من الناس من يحلف كاذباً فيعظّم الله في يمينه ويصفه بصفاته الحسنى، فيأتي تعظيمه لله على إثم كذبه ويمينه، فيؤخّر عنه البلاء، ولكنّي احلّفه باليمين التي حدثني أبي عن جدي رسول الله أنه لا يحلف بها حالف إلا باء بإثمه).

فقال المنصور: فحلّفه إذا يا جعفر، فقال الصادق (عليه السلام) للرجل: (قل إن كنت كاذباً عليك فقد برئت من حول الله وقوته ولجأت إلى حولي وقوتي) فقالها الرجل، فقال الصادق (عليه السلام): (اللهم إن كان كاذباً فأمته) فما استتم حتى سقط الرجل ميتاً واحتُمل، ومضى، وأقبل المنصور على الصادق (عليه السلام)، فسأله عن حوائجه، فقال (عليه السلام): (ما لي حاجة إلا أن أسرع إلى أهلي، فان قلوبهم بي متعلقة).

فقال: ذلك إليك فافعل ما بدا لك، فخرج من عنده مكرّماً قد تحيّر منه المنصور، فقال قوم: رجل فاجأه الموت، وجعل الناس يخوضون في أمر ذلك الميت وينظرون إليه، فلما استوى على سريره، جعل الناس يخوضون، فمن ذامٍّ له وحامد، إذ قعد على سريره، وكشف عن وجهه وقال: يا أيها الناس إني لقيت ربي، فلقاني السخط، واللعنة، واشتد غضب زبانيته عليَّ، على الذي كان مني إلى جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): فاتقوا الله، ولا تَهلكوا فيه كما هلكتُ، ثم أعاد كفنه على وجهه، وعاد في موته، فرأوه لا حِراك فيه وهو ميّت فدفنوه»[1].

 


[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج47، ص 172.