لا تعير فتبتلى

قال أبو هارون المكفوف: خرجتُ أريده (الصادقَ (عليه السلام))، فلَقِيني بعضُ أعدائه فقال لي: أعمى يسعى إلى أعمى! فمصيرُكم إلى النار يا سَحَرة، يا كَفَرة!

قال: فدخلتُ على أبي عبد الله (عليه السلام) حزيناً باكياً وعرّفتُه بما جرى، فاسترجع إلى الله، وقال: يا أبا هارون، لا يَحْزُنْكَ ما قاله عدوُّنا لكَ، فوالله ما اجترى الّا على الله، وقد نزل فيه في هذا الوقت عقوبةٌ أبدَتْ ناظرَيهِ مِن عينيه، وجعَلَكَ ـ وإن كنتَ ضريراً ـ بصيراً، وإنّ علامة ذلك أنْ خُذْ هذا الكتابَ واقرأه.

قال أبو هارون: ففضضتُ الكتابَ فرأيته وقرأته مِن أوّل حرفٍ منه، فقال: يا أبا هارون، لا تنظرْ في أمرٍ يَهمُّك إلّا رأيتَه، ولا تُحجَبْ بعد يومكَ هذا الّا عمّا لا يهمّكَ.

قال أبو هارون: فصرفتُ قائدي (اي الذي كان يقوده بسبب عَماه) من الباب وجئتُ إلى منزلي أنظر طريقي، وقرأتُ سكك الدراهم والدنانير، ونقشَ الفصوص وتزويق السقوف، ولم أُحجَبْ الّا عمّا لا يعنيني، وسألتُ عن الرجل (أي الذي عيّره) فوجدتُه لم يبلغْ إلى منزله حتّى بدَرَ ناظره مِن عينيه، وافتقر ـ وكان ذا مال عريض ـ فصار يسأل الناسَ على الطريق ويقول: لا تُعيِّرْ فتُبتلى[1].

 


[1] الهداية الكبرى للحضينيّ ص 54 ـ من المخطوطة.