دعاء الإمام الصادق (عليه السلام) لزوار الإمام الحسين (عليه السلام)

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فَقِيلَ لِي ادْخُلْ فَدَخَلْتُ فَوَجَدْتُه فِي مُصَلَّاه فِي بَيْتِه فَجَلَسْتُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَه فَسَمِعْتُه وهُوَ يُنَاجِي رَبَّه ويَقُولُ: (يَا مَنْ خَصَّنَا بِالْكَرَامَةِ، وخَصَّنَا بِالْوَصِيَّةِ، ووَعَدَنَا الشَّفَاعَةَ وأَعْطَانَا عِلْمَ مَا مَضَى ومَا بَقِيَ، وجَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْنَا، اغْفِرْ لِي ولإِخْوَانِي ولِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِي عَبْدِ الله الْحُسَيْنِ (عليه السلام) الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ، وأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا ورَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا، وسُرُوراً أَدْخَلُوه عَلَى نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْه وآلِه، وإِجَابَةً مِنْهُمْ لأَمْرِنَا، وغَيْظاً أَدْخَلُوه عَلَى عَدُوِّنَا، أَرَادُوا بِذَلِكَ رِضَاكَ، فَكَافِهِمْ عَنَّا بِالرِّضْوَانِ واكْلأْهُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ، واخْلُفْ عَلَى أَهَالِيهِمْ وأَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ خُلِّفُوا بِأَحْسَنِ الْخَلَفِ، واصْحَبْهُمْ واكْفِهِمْ شَرَّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وكُلِّ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِكَ أَوْ شَدِيدٍ، وشَرَّ شَيَاطِينِ الإِنْسِ والْجِنِّ، وأَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ، ومَا آثَرُونَا بِه عَلَى أَبْنَائِهِمْ وأَهَالِيهِمْ وقَرَابَاتِهِمْ.

اللهُمَّ إِنَّ أَعْدَاءَنَا عَابُوا عَلَيْهِمْ خُرُوجَهُمْ فَلَمْ يَنْهَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الشُّخُوصِ إِلَيْنَا، وخِلَافاً مِنْهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا، فَارْحَمْ تِلْكَ الْوُجُوه الَّتِي قَدْ غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ، وارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَقَلَّبَتْ عَلَى حُفْرَةِ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، وارْحَمْ تِلْكَ الأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا، وارْحَمْ تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتِي جَزِعَتْ واحْتَرَقَتْ لَنَا، وارْحَمِ الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ تِلْكَ الأَنْفُسَ وتِلْكَ الأَبْدَانَ حَتَّى نُوَافِيَهُمْ عَلَى الْحَوْضِ يَوْمَ الْعَطَشِ) فَمَا زَالَ وهُوَ سَاجِدٌ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ لَوْ أَنَّ هَذَا الَّذِي سَمِعْتُ مِنْكَ كَانَ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ الله لَظَنَنْتُ أَنَّ النَّارَ لَا تَطْعَمُ مِنْه شَيْئاً، والله لَقَدْ تَمَنَّيْتُ أَنْ كُنْتُ زُرْتُه ولَمْ أَحُجَّ فَقَالَ لِي: (مَا أَقْرَبَكَ مِنْه، فَمَا الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنْ إِتْيَانِه؟) ثُمَّ قَالَ: (يَا مُعَاوِيَةُ لِمَ تَدَعُ ذَلِكَ؟) قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ لَمْ أَدْرِ أَنَّ الأَمْرَ يَبْلُغُ هَذَا كُلَّه، قَالَ: (يَا مُعَاوِيَةُ مَنْ يَدْعُو لِزُوَّارِه فِي السَّمَاءِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْعُو لَهُمْ فِي الأَرْضِ)[1].

 


[1] الكافي: ج4، ص582.