الرحيل إلى الرفيق الأعلى

بعد أن قاسى كل تلك المحن والصعاب لنشر دين الله، وإعلاء راية الهدى، اقتربت ساعة الوداع، وتفطرت قلوب المؤمنين حُزناً لدُنُوّ لحظة الفراق، فأظلمت الدنيا لرحيله، وتنورت الآخرة للقائه، وجاءه ملك الموت مستأذناً أن يقبض روحه المقدسة، فاختار ما اختاره الله تعالى له، ورضي بما أراده عزّ وجلّ من لقاء حبيبه، فأجاب مطمئناً راغباً.

روي أن جبريل (عليه السلام) دخل على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهو في مرضه الذي توفي فيه، وقال له:  (يا أحمد، هذا ملك الموت يستأذن عليك، لم يستأذن على أحد قبلك، ولا يستأذن على أحد بعدك، فقال(صلى الله عليه وآله): إئذن له. فأذن له جبرائيل(عليه السلام)، أقبل حتى وقف بين يديه، فقال: يا أحمد، إن الله أرسلني إليك، وأمرني أن أطيعك فيما تأمرني، إن أمرتني بقبض نفسك قبضتها، وإن كرهت تركتها.

فقال النبي(صلى الله عليه وآله) : أتفعل ذلك يا ملك الموت؟ قال: نعم، بذلك أمرت أن أطيعك فيما تأمرني.

فقال له جبرئيل(عليه السلام): يا أحمد، أن الله تبارك وتعالى قد اشتاق إلى لقائك.

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا ملك الموت، امض لما أمرت به. فقال جبرئيل (عليه السلام):
هذا آخر وطئي الأرض، إنما كنت حاجتي من الدنيا) .

قال الإمام الباقر(عليه السلام): (لما قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله)  بات آل محمد(عليه السلام) بأطول ليلة حتى ظنوا أن لا سماء تظلهم ولا أرض تقلهم لان رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتر الأقربين والأبعدين في الله، فبينا هم كذلك إذ أتاهم آت لا يرونه ويسمعون كلامه، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة ونجاة من كل هلكة ودركا لما فات: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ).  إن الله اختاركم وفضلكم وطهركم وجعلكم أهل بيت نبيه واستودعكم علمه وأورثكم كتابه وجعلكم تابوت علمه وعصا عزه وضرب لكم مثلا من نوره وعصمكم من الزلل وآمنكم من الفتن، فتعزوا بعزاء الله، فإن الله لم ينزع منكم رحمته ولن يزيل عنكم نعمته، فأنتم أهل الله عز وجل الذين بهم تمت النعمة واجتمعت الفرقة وائتلفت الكلمة وأنتم أولياؤه، فمن تولاكم فاز ومن ظلم حقكم زهق، مودتكم من الله واجبة في كتابه على عباده المؤمنين، ثم الله على نصركم إذا يشاء قدير، فاصبروا لعواقب الأمور، فإنها إلى الله تصير، قد قبلكم الله من نبيه وديعة، واستودعكم أولياءه المؤمنين في الأرض، فمن أدى أمانته أتاه الله صدقه، فأنتم الأمانة المستودعة ولكم المودة الواجبة والطاعة المفروضة وقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد أكمل لكم الدين وبين لكم سبيل المخرج، فلم يترك لجاهل حجة، فمن جهل أو تجاهل أو أنكر أو نسي أو تناسى فعلى الله حسابه والله من وراء حوائجكم، وأستودعكم الله والسلام عليكم.

يقول الراوي فسألت أبا جعفر(عليه السلام): ممن أتاهم التعزية، فقال: من الله تبارك وتعالى)[1].

وفي خبر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (أتدرون مَن هذا؟ قالوا لا قال: هذا الخضر(عليه السلام) )[2].

 


[1]     الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص445.

[2]     الأمالي للشيخ الصدوق: ص349.