فثمرها أطيب من ريحها

حُكي عن عروة البارقي قال: حججتُ في بعض السنين، فدخلت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوجدت رسول الله جالساً وحوله غلامان يافعان، وهو يُقبّل هذا مرة وهذا أخرى، فإذا رآه الناس يفعل ذلك أمسكوا عن كلامه حتى يقضي وطره منهما، وما يعرفون لأيّ سبب حبّه إياهما.

فجئته وهو يفعل ذلك بهما فقلتُ: يا رسول الله هذان ابناك؟

فقال: (إنهما ابنا ابنتي وابنا أخي وابن عمي وأحب الرجال إليّ ومن هو سمعي وبصري، ومن نفسه نفسي ونفسي نفسه، ومن أحزن لحزنه ويحزن لحزني).

فقلت له: قد عجبتُ يا رسول الله من فعلكَ بهما وحبكَ لهما.

 فقال لي: (أحدثك أيها الرجل، إني لما عُرج بي إلى السماء ودخلتُ الجنة، انتهيتُ إلى شجرةٍ في رياض الجنة فعجبتُ من طيب رائحتها، فقال لي جبرئيل: يا محمد لا تعجب من هذه الشجرة فثمرها أطيب من ريحها، فجعل جبرئيل يُتحفُني من ثمرها، ويُطعمُني من فاكهتها وأنا لا أملّ منها، ثم مررنا بشجرة أخرى، فقال لي جبرئيل: يا محمد كُلّ من هذه الشجرة فإنها تشبه الشجرة التي أكلتَ منها الثمر، فهي أطيب طعما وأذكى رائحة قال: فجعل جبرئيل يُتحفُني بثمرها ويُشمُّني من رائحتها وأنا لا أملّ منها.

فقلت: يا أخي جبرئيل ما رأيت في الأشجار أطيب ولا أحسن من هاتين الشجرتين.

 فقال لي: يا محمد أتدري ما اسم هاتين الشجرتين؟

فقلت: لا أدري

فقال: إحداها الحسن، والأخرى الحسين، فإذا هبطتَ يا محمد إلى الأرض من فورك، فأت زوجتك خديجة، وواقعها من وقتكَ وساعتكَ، فإنه يخرج منك طيبُ رائحة الثمر الذي أكلته من هاتين الشجرتين فتلد لك فاطمة الزهراء، ثم زوّجها أخاكَ عليا، فتلد له ابنين، فسمِّ أحدهما الحسن والاخر الحسين.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ففعلتُ ما أمرني أخي جبرئيل، فكان الامر ما كان.

فنزل إليَّ جبرئيل بعدما ولد الحسن والحسين، فقلتُ له: يا جبرئيل ما أشوقني إلى تينك الشجرتين، فقال لي: يا محمد إذا اشتقتَ إلى الأكل من ثمرة تينكَ الشجرتين، فشمّ الحسن والحسين، قال: فجعل النبي (صلى الله عليه وآله) كلما اشتاق إلى الشجرتين يشمّ الحسن والحسين ويلثمهما وهو يقول: صدق أخي جبرئيل (عليه السلام) ثم يُقبّل الحسن والحسين ويقول: يا أصحابي إني أود أني أقاسمهما حياتي لحبي لهما فهما ريحانتاي من الدنيا).

 فتعجب الرجل [من] وصف النبي (صلى الله عليه وآله) للحسن والحسين، فكيف لو شاهد النبي (صلى الله عليه وآله) مَنْ سفك دماءهم، وقَتَل رجالهم وذَبَح أطفالهم، ونَهَب أموالهم، وسَبَى حريمهم، أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون[1].

 


[1] بحار الانوار، المجلسي: ج43، ص314.