في خطبة تسمى القاصعة.. قال أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام):
(لقد كنتُ معه (صلّى عليه وآله) لمّا أتاه الملأُ من قريشٍ فقالوا له: يا محمّد، إنّك قد ادَّعَيت عظيماً لمَ يدَّعِه آباؤك ولا أحدٌ من بيتك، ونحن نسألك أمراً.. إن أجَبتَنا إليه وأرَيتَناه عَلِمنا أنّك نبيٌّ ورسول، وإن لم تَفعَلْ عَلِمنا أنّك ساحرٌ كذّاب!
فقال لهم: وما تسألون؟ قالوا: تدعو لنا هذه الشّجرة حتّى تنقلع بعروقها وتقفَ بين يديك. فقال (صلى الله عليه وآله): إنّ الله على كلِّ شيءٍ قدير، فإن فعَلَ ذلك بكم أتؤمنون وتشهدون بالحقّ؟ قالوا: نعم.
قال: فإنّي سأُريكم ما تطلبون، وإنّي لأعلمُ أنّكم لا تفيئون إلى خير، وإنّ فيكم مَن يُطرح في القَليب ومَن يُحزِّب الأحزاب. ثمّ قال: أيّتُها الشّجرة، إنْ كنتِ تُؤمنين باللهِ واليوم الآخِر، وتعلمين أنّي رسول الله، فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يدَيّ بإذن الله.
فالذي بعثه بالحقّ، لاَنقَلَعَت بعروقها وجاءت ولها دَويٌّ شديدٌ وقصفٌ كقصف أجنحة الطير.. حتّى وقفتْ بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرفوفةً وألقَتْ بغُصنها الأعلى على رأس رسول الله وببعض أغصانها على مَنكِبي، وكنتُ عن يمينه (صلّى الله عليه وآله) فلمّا نظر القوم إلى ذلك قالوا ـ عُلوّاً واستكباراً ـ: فمُرْها فَلْيأتِك نصفُها ويبقى نصفها. فأمَرَها بذلك، فأقبل إليه نصفها كأعجبِ إقبالٍ وأشدِّه دَويّاً، فكادَت تلتفّ برسول الله. فقالوا ـ كفراً وعُتُوّاً ـ: فمُرْ هذا النصفَ فلْيَرجِعْ إلى نصفه. فأمَرَه (صلّى الله عليه وآله) فرجع.
فقلتُ أنا: لا إله إلاّ الله، إنّي أوّلُ مؤمنٍ بك يا رسول الله، وأوّل مَن آمَنَ بأنّ الشجرة فَعلَت ما فعَلت بأمر الله؛ تصديقاً لنبوّتك، وإجلالاً لكلمتك. فقال القوم: بل ساحرٌ كذّاب، عجيب السّحر حفيفٌ فيه! وهل يصدّقُك في أمركِ غيرُ هذا؟! يَعنُونني)[1].