عن عبد الله بن مسعود، قال: جاء علي (عليه السلام) إلى أبي ثعلبة الجهني، فقال له: يا أبا ثعلبة، أقرضني ديناراً.
قال: أمن حاجة يا أبا الحسن؟
قال [أمير المؤمنين]: نعم.
قال: فشطر مالي لك، فخذه حلالاً في الدنيا والآخرة.
فقال له علي (عليه السلام): ما بي حاجة إلى غير ما سألتك.
قال: فربع مالي أو ما أردت منه خذه حلالاً في الدنيا والآخرة.
قال: ما أريد غير قرض دينار، فإن فعلت، وإلا انصرف، فدفع إليه ديناراً واحداً، فأخذه ليشتري به لأهله ما يقوتهم، وقد مضت لهم ثلاثة أيام لم يطعموا شيئاً، فمرَّ بالمقداد قاعداً في ظل جدار قد غارتا عيناه من الجوع.
فقال له علي (عليه السلام): يا مقداد ما أقعدك في هذه الظهيرة في ظل هذا الجدار؟
قال: يا أبا الحسن، أقول كما قال العبد الصالح لما تولى إلى الظل: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص: 24).
قال: مُذْ كَمْ يا مقداد؟ قال: مُذْ أربع يا أبا الحسن.
قال علي (عليه السلام): فنحن مذ ثلاث وأنت مذ أربع، أنت أحق بالدينار، فأعطاه الدينار، ومضى علي (عليه السلام) إلى المسجد فصلّى فيه الظهر والعصر والمغرب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) [وكان ذلك اليوم صائماً، فأتاه جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمد يكون إفطارك الليلة عند علي وفاطمة(عليهما السلام)، فلما قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة المغرب أخد بيد علي ومشى معه إلى منزله ودخلا.
فقالت فاطمة: واسوأتاه من رسول الله أما علم أبو الحسن أنه ليس في منزلنا شيء، ودخلتْ إلى البيت، فصلّتْ ركعتين، ثم قالتْ: اللهم إنك تعلم أن هذا محمد رسولك، وأن هذا صهره علي وليك، وأن هذين الحسن والحسين سبطا نبيك، وأني فاطمة بنت نبيك، وقد نزل بي من الامر ما أنت أعلم به مني، اللهم فأنزل علينا مائدة من السماء كما أنزلتها على بني إسرائيل، اللهم إن بني إسرائيل كفروا بها وإنا لا نكفر بها.
ثم التفت، فإذا هي بصحفة[1] مملؤة ثريد عليها عراق كثير تفور من غير نار، تفوح منها رائحة المسك، فحمدتْ الله وشكرته واحتملتها، فوضعتها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام)وَدَعَتْ الحسن والحسين(عليهما السلام)، وجلست معهم. فجعل علي يأكل وينظر إليها.
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا الحسن كُلْ ولا تسأل حبيبتي عن شيء، فالحمد لله الذي رأيت في منزلكَ مثل مريم بنت عمران: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[2] هذا يا أبا الحسن بالدينار الذي أعطيته المقداد، قسمه الله عز وجل على خمسة وعشرين جزء، عَجَّلَ لكَ منها جزء في الدنيا، وأخَّرَ لكَ أربعة وعشرين منها إلى الآخرة)[3].