إتيان الرطب من الجنة لأمير المؤمنين (عليه السلام)

روى جمع من الصحابة قالوا: دخل النبي دار فاطمة فقال: يا فاطمة إن أباك اليوم ضيفك.

فقالت: يا أبت إن الحسن والحسين يطالباني بشيء من الزاد، فلم أجد لهما شيئا يقتاتان به، ثم إن النبي دخل وجلس مع علي والحسن والحسين وفاطمة، وفاطمة متحيرة ما تدري كيف تصنع، ثم إن النبي نظر إلى السماء ساعة وإذا بجبرئيل قد نزل، وقال: يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام، ويقول لك: قل لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أي شيء يشتهون من فواكه الجنة؟

فقال النبي: يا علي، ويا فاطمة، ويا حسن، ويا حسين إن رب العزة علم أنكم جياع، فأي شيء تشتهون من فواكه الجنة؟

فأمسكوا عن الكلام ولم يردوا جواباً حياءً من النبي.

فقال الحسين: عن إذنك، يا أباه، يا أمير المؤمنين وعن إذنك، يا أماه يا سيدة نساء العالمين وعن إذنك، يا أخاه الحسن الزكي أختار لكم شيئاً من فواكه الجنة.

فقالوا جميعاً: قل يا حسين ما شئت، فقد رضينا بما تختاره لنا. فقال: يا رسول الله قل لجبرئيل: إنا نشتهي رطباً جنياً. فقال النبي: قد علم الله ذلك، ثم قال: يا فاطمة قومي وادخلي البيت وأحضري إلينا ما فيه. فدخلت فرأت فيه طبقاً من البلور، مغطى بمنديل من السندس الأخضر، وفيه رطب جني في غير أوانه.

فقال النبي: يا فاطمة أنى لك هذا؟ قالت: (هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب)، كما قالت مريم بنت عمران. فقام النبي وتناوله منها وقدمه بين أيديهم، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم أخذ رطبة واحدة فوضعها في فم الحسين فقال: هنيئاً مريئاً لك يا حسين ثم أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن وقال: هنيئاً مريئاً يا حسن ثم أخذ رطبة ثالثة فوضعها في فم فاطمة الزهراء وقال لها: هنيئاً مريئاً لك يا فاطمة الزهراء ثم أخذ رطبة رابعة فوضعها في فم علي وقال: هنيئاً مريئاً لك يا علي.

ثم ناول علياً رطبة أخرى والنبي يقول له: هنيئاً مريئاً لك يا علي ثم وثب النبي قائماً ثم جلس، ثم أكلوا جميعاً من ذلك الرطب، فلما اكتفوا وشبعوا، ارتفعت المائدة إلى السماء بإذن الله تعالى.

فقالت فاطمة: يا أبت لقد رأيت اليوم منك عجباً، فقال: يا فاطمة أما الرطبة الأولى التي وضعتها في فم الحسين وقلت له: هنيئاً يا حسين فأني سمعت ميكائيل وإسرافيل يقولان: هنيئاً لك يا حسين فقلت أيضاً موافقاً لهما بالقول: هنيئاً لك يا حسين ثم أخذت الثانية فوضعتها في فم الحسن، فسمعت جبرئيل وميكائيل يقولان: هنيئاً لك يا حسن فقلت أنا موافقاً لهما في القول، ثم أخذت الثالثة فوضعتها في فمك يا فاطمة فسمعت الحور العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان، وهن يقلن: هنيئاً لك يا فاطمة فقلت موافقاً لهن بالقول.

ولما أخذت الرابعة فوضعتها في فم علي، سمعت النداء من [قبل] الحق سبحانه وتعالى يقول: هنيئاً مريئاً لك يا علي فقلت موافقاً لقول الله عز وجل، ثم ناولت علياً رطبة أخرى ثم أخرى، وأنا أسمع صوت الحق سبحانه وتعالى يقول: هنيئاً مريئاً لك يا علي ثم قمت إجلالاً لرب العزة جل جلاله، فسمعته يقول: يا محمد وعزتي وجلالي، لو ناولت علياً من هذه الساعة إلى يوم القيامة رطبة رطبة لقلت له: هنيئاً مريئاً بغير انقطاع[1].


[1] مدينة المعاجز: ج3، ص304.