عن ثاقب المناقب عن ابن عباس قال: لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) وجلس أبو بكر مكانه ونادى في الناس: ألا من كان له على رسول الله عِدة أو دَين فليأتِ أبا بكر وليأت معه بشاهدين، ونادى علي (عليه السلام) بذلك على الإطلاق من غير طلب شاهدين، [أي: ولما كان علي (عليه السلام) هو الوصي الشرعي من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) في إنجاز وصيته ووفاء ديونه وغير ذلك فقد نادى علي (عليه السلام) أيضاً بذلك، ولكن من دون طلب الشهود] فجاء إعرابي ملثم متقلد سيفه متنكب كنانته وفرسه لا يرى منه إلا حافره - وساق الحديث ولم يذكر الاسم ولا القبيلة - وكان ما وعده مائة ناقة حمراء بأزمتها، وأثقالها موقرة ذهبا وفضة بعبيدها، فلما ذهب سلمان بالأعرابي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له حين بصر به: مرحبا بطالب عدة والده من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: وما وعد أبي فداك أبي وأمي يا أبا الحسن؟ قال: إن أباك قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أنا رجل مطاع في قومي، إن دعوتهم إلى الإسلام أجابوك، وإني ضعيف الحال، فما تجعل لي إن دعوتهم إلى الإسلام فأسلموا؟ فقال (صلى الله عليه وآله): من أمر الدنيا أم من أمر الآخرة؟ قال: وما عليك أن تجمعهما لي يا رسول الله وقد جمعهما الله لأناس كثيرة، فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: أجمع لك خير الدنيا والآخرة، فأما في الآخرة فأنت رفيقي في الجنة وأما في الدنيا فما تريد؟ فقال: مائة ناقة حمر بأزمتها وعبيدها موقرة ذهباً وفضة، ثم قال: وإن دعوتهم فأجابوني وقضى علي الموت ولم ألقك فتدفع ذلك إلى ولدي؟ قال: نعم، فقال أبوك: فإن أتيتك وقد رفعك الله ولم أدركك يكون من بعدك من يقوم عنك فيدفع ذلك إلي أو إلى ولدي؟ قال: نعم على أني لا أراك ولا تراني في دار الدنيا بعد يومي هذا، وسيجيبك قومك فإذا حضرتك الوفاة فليَصِر ولدك إلى وليي من بعدي ووصيي، وقد مضى أبوك ودعا قومه فأجابوه، وأمرك بالمصير إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو إلى وصيه، وها أنا وصيه ومنجز وعده، فقال الإعرابي: صدقت يا أبا الحسن، فكتب له على خرقة بيضاء وناولها الحسن (عليه السلام)، وقال: يا أبا محمد سر بهذا الرجل إلى واد العقيق، وسلم على أهله، واقذف الخرقة، وانتظر ساعة حتى ترى ما يفعل، فإن دفع إليك شيء فادفعه إلى الرجل، ومضيا بالكتاب، قال ابن عباس: فسرت من حيث لم يرني أحد فلما أشرف الحسن بن علي (عليهما السلام) على الوادي ونادى بأعلى صوته: السلام عليكم أيها السكان البررة الأتقياء، أنا ابن وصي رسول الله، أنا الحسن ابن علي سبط رسول الله ورسوله إليكم، وقد قذف الخرقة في الوادي فسمعت من ذلك الوادي صوتا: لبيك لبيك يا سبط رسول الله وابن البتول وابن سيد الأوصياء، سمعنا وأطعنا، انتظر لندفع إليك، فبينا أنا كذلك إذ ظهر غلام ولم أدر من أين ظهر وبيده زمام ناقة حمراء يتبعها ستة ولم يزل يخرج غلام بعد غلام في يد كل غلام قطار حتى عددت مائة ناقة حمراء بأزمتها وأحمالها، فقال الحسن (عليه السلام) خذ بزمام نوقك وعبيدك ومالك وامض بها يرحمك الله[1].
وهذه الواقعة كما تعد إعجازاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) كذلك هي إعجاز للحسن (عليه السلام)، فسلام الله عليك يا أبا الحسن وعلى ابنك السبط الأكبر في هذا الشهر.
[1] غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام، ج ٦، السيد هاشم البحراني، ص ٣٣٩، نقلاً الثاقب في المناقب: 133، ح5.