عن عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني قال: سمعت محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول: سألت جعفر بن محمد(عليهما السلام) فقلت له: يا ابن رسول الله في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها فقال: إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني وإن شئت فسل، قال قلت له: يا ابن رسول الله وبأي شئ تعرف ما في نفسي قبل سؤالي عنه؟ قال: بالتوسم والتفرس أما سمعت قول الله عز وجل (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)[1] وقول رسول الله(صلى الله عليه وآله) mاتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل(صلى الله عليه وآله)، قال: قلت له: يا بن رسول الله فأخبرني بمسألتي، قال: أردتَ أن تسألني عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لِمَ لَمْ يطق حمله علي(عليه السلام) عند حَطِّ الأصنام من سطح الكعبة مع قوته وشدّته وما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر والرمي به إلى وراءه أربعين ذراعاً وكان لا يطيق حمله أربعون رجلاً، وقد كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يركب الناقة والفرس والبغلة والحمار، وركب البراق ليلة المعراج، وكل ذلك دون عليّ في القوة والشدّة، قال فقلت له: عن هذا والله أردتُ أن أسألك يا بن رسول الله فأخبرني، فقال: إن علياً(عليه السلام) برسول الله شرف وبه ارتفع وبه وصل إلى إطفاء نار الشرك وإبطال كُلِّ معبود دون الله عز وجل ولو علا النبي(صلى الله عليه وآله) لِحَطّ الأصنام لكان(عليه السلام) بعلي مرتفعاً وشريفاً وواصلاً إلى حطّ الأصنام ولو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه، ألا ترى أن علياً (عليه السلام) قال: لمّا علوت ظهر رسول الله(صلى الله عليه وآله) شرفت وارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها، أما علمت أن المصباح هو الذي يهتدي به في الظلمة وانبعاث فرعه من أصله، وقد قال علي(عليه السلام): mأنا من أحمد كالضوء من الضوء(صلى الله عليه وآله)، أما علمت أن محمداً وعلياً صلوات الله عليهما كانا نوراً بين يدي الله جل جلاله قبل خلق الخلق بألفي عام وأن الملائكة لمّا رأت ذلك النور رأت له أصلاً قد انشعب فيه شعاع لامع فقالت: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله عز وجل إليهم: هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة، أما النبوة فلمحمد عبدي ورسولي وأما الإمامة فلعلي حجتي ووليي ولولاهما ما خلقت خلقي، أما علمت أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) رفع يد علي(عليه السلام) بغدير خم حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما فجعله مولى المسلمين، وإمامهم وقد احتمل(صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين(عليهما السلام) يوم حظيرة بني النجار فلمّا قال له بعض أصحابه: ناولني أحدهما يا رسول الله قال(صلى الله عليه وآله): نعم الراكبان وأبوهما خير منهما، وأنه(صلى الله عليه وآله) كان يصلّي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته، فلما سلّم قيل له: يا رسول الله لقد أطلت هذه السجدة، فقال(صلى الله عليه وآله): نعم إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى ينزل، وإنما أراد(صلى الله عليه وآله) بذلك رفعهم وتشريفهم، فالنبي(صلى الله عليه وآله) رسول بني آدم وعلي(عليه السلام) إمام ليس بنبي ولا رسول فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوة.
قال محمد بن حرب الهلالي: قلت له زدني يا ابن رسول الله فقال(عليه السلام): إنك لأهل للزيادة، إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) حمل علياً(عليه السلام) على ظهره يريد بذلك أنه أبو ولده وإمام الأئمة من صلبه كما حوّل ردائه في صلاة الاستسقاء وأراد أن يعلم أصحابه بذلك أنه قد تحول الجدب خصباً، قال: فقلت له زدني يا ابن رسول الله9 فقال: احتمل رسول الله(صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) يريد بذلك أن يُعلم قومه أنه هو الذي يخفّف عن ظهر رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما عليه من الدين والعِدات والأداء عنه من بعده، قال: فقلت له يا ابن رسول الله زدني فقال: إنه احتمله ليعلم بذلك أنه قد احتمله وما حمل إلا لأنه معصوم لا يحمل وزراً فتكون أفعاله عند الناس حكمة وصواباً وقد قال النبي(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام): يا علي إن الله تبارك وتعالى حمّلني ذنوب شيعتك ثم غفرها لي وذلك قوله عز وجل: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)[2]، ولما أنزل الله تبارك وتعالى عليه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ)[3] قال النبي(صلى الله عليه وآله): يا أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وعلي نفسي وأخي، أطيعوا علياً فإنه مطهّر معصوم لا يضلّ ولا يشقى(صلى الله عليه وآله)، ثم تلا هذه الآية: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)[4].
قال محمد بن حرب الهلالي: ثم قال جعفر بن محمد (عليه السلام): أيها الأمير لو أخبرتك بما في حَمل النبي (صلى الله عليه وآله) علياً(عليه السلام) عند حط الأصنام من سطح الكعبة من المعاني التي أرادها به لقُلتَ إن جعفر بن محمد لمجنون فحسبك من ذلك ما قد سمعته. فقمتُ إليه وقبلتُ رأسَه وقلت: الله أعلم حيث يجعل رسالته[5].