ورد في تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قيل له: يا رسول الله ففي القبر نعيم وعذاب؟ قال: إي والذي بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) بالحق نبياً، وجعله زكياً، هادياً مهدياً، وجعل أخاه علياً بالعهد وفياً، وبالحق ملياً ولدى الله مرضياً، وإلى الجهاد سابقاً، ولله في أحواله موافقاً، وللمكارم حائزاً، وبنصر الله على أعدائه فائزاً، وللعلوم حاوياً، ولأولياء الله موالياً، ولأعدائه مناوياً وبالخيرات ناهضاً، وللقبائح رافضاً وللشيطان مخزياً، وللفسقة المردة مُقصياً ولمحمد (صلى الله عليه وآله) نفساً، وبين يديه لدى المكاره جُنة وتُرساً، آمنت به أنا وأخي علي بن أبي طالب(عليه السلام)، عند رب الأرباب، المفضل على أولي الألباب الحاوي لعلوم الكتاب، زين من يوافي يوم القيامة عرصات الحساب بعد محمد(صلى الله عليه وآله)، صفي الكريم العزيز الوهاب إن في القبر نعيما يوفر الله به حظوظ أوليائه وإن في القبر عذابا يشدد الله به على أعدائه.
إن المؤمن الموالي لمحمد وآله الطيبين(عليهم السلام)، المتخذ لعلي بعد محمد(صلى الله عليه وآله) إمامه الذي يحتذي مثاله، وسيده الذي يصدق أقواله، ويُصوِّب أفعاله، ويطيعه بطاعة من يندبه من أطائب ذريته لأمور الدين وسياسته، إذا حضره من أمر الله تعالى ما لا يُردّ، ونزل به من قضائه ما لا يُصدّ، وحضره ملك الموت وأعوانه، وجد عند رأسه محمداً(صلى الله عليه وآله) رسول الله (سيد النبيين) من جانب، ومن جانب آخر علياً(عليه السلام) سيد الوصيين، وعند رجليه من جانب الحسن(عليه السلام) سبط سيد النبيين، ومن جانب آخر الحسين(عليه السلام) سيد الشهداء أجمعين، وحواليه بعدهم خيار خواصهم ومحبيهم الذين هم سادة هذه الأمة بعد ساداتهم من آل محمد، فينظر إليهم العليل المؤمن، فيخاطبهم بحيث يحجب الله صوته عن آذان حاضريه كما يحجب رؤيتنا أهل البيت ورؤية خواصنا عن عيونهم، ليكون إيمانهم بذلك أعظم ثواباً لشدة المحنة عليهم فيه، فيقول المؤمن: بأبي أنت وأمي يا رسول رب العزة، بأبي أنت وأمي يا وصي رسول رب الرحمة، بأبي أنتما وأمي يا شبلي محمد وضرغاميه، ويا ولديه وسبطيه، ويا سيدي شباب أهل الجنة المقربين من الرحمة والرضوان، مرحبا بكم يا معاشر خيار أصحاب محمد وعلي وولديهما، ما كان أعظم شوقي إليكم، وما أشد سروري الآن بلقائكم، يا رسول الله هذا ملك الموت قد حضرني، ولا أشك في جلالتي في صدره لمكانك ومكان أخيك مني، فيقول رسول الله(صلى الله عليه وآله): كذلك هو، ثم يُقبِل رسول الله(صلى الله عليه وآله) على ملك الموت فيقول: يا ملك الموت استوص بوصية الله في الإحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا، فيقول له ملك الموت: يا رسول الله مُره أن ينظر إلى ما قد أعد الله له في الجنان، فيقول له رسول الله(صلى الله عليه وآله): انظر إلى العلو، فينظر إلى ما لا تحيط به الألباب، ولا يأتي عليه العدد والحساب، فيقول ملك الموت: كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه، وهذا محمد وعترته زواره، يا رسول الله لولا أن الله جعل الموت عقبة لا يصل إلى تلك الجنان إلا من قطعها، لما تناولت روحه، ولكن لخادمك ومحبك هذا أسوة بك وبسائر أنبياء الله ورسله وأوليائه الذين أذيقوا الموت بحكم الله تعالى، ثم يقول محمد(صلى الله عليه وآله): يا ملك الموت هاك أخانا قد سلمناه إليك فاستوص به خيراً، ثم يرتفع هو ومن معه إلى ربض الجنان، وقد كشف عن الغطاء والحجاب لعين ذلك المؤمن العليل، فيراهم المؤمن هناك بعد ما كانوا حول فراشه، فيقول: يا ملك الموت الوحا، الوحا تناول روحي ولا تلبثني ها هنا، فلا صبر لي عن محمد وعترته وألحقني بهم، فعند ذلك يتناول ملك الموت روحه فيسلها، كما يسل الشعرة من الدقيق، وإن كنتم ترون أنه في شدة فليس في شدة، بل هو في رخاء ولذة، فإذا أدخل قبره وجد جماعتنا هناك، فإذا جاء منكر ونكير قال أحدهما للآخر: هذا محمد وهذا علي والحسن والحسين وخيار صحابتهم بحضرة صاحبنا فلنتضع لهم، فيأتيان ويُسلِّمان على محمد(صلى الله عليه وآله) سلاماً تاماً منفرداً، ثم يُسلِّمان على علي سلاماً تاماً منفرداً، ثم يُسلِّمان على الحسن والحسين سلاماً يجمعانهما فيه، ثم يُسلِّمان على سائر من معنا من أصحابنا، ثم يقولان: قد علمنا يا رسول الله زيارتك في خاصتك لخادمك ومولاك، ولولا أن الله يريد إظهار فضله لِمَن بهذه الحضرة من أملاكه ومن يسمعنا من ملائكته بعدهم لما سألناه، ولكن أمر الله لا بد من امتثاله، ثم يسألانه فيقولان: من ربك وما دينك ومن نبيك ومن إمامك وما قبلتك ومن إخوانك؟ فيقول: الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي وصي محمد إمامي، والكعبة قبلتي والمؤمنون الموالون لمحمد وعلي وآلهما وأوليائهما، والمعادون لأعدائهما إخواني، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأن أخاه علياً ولي الله، وأن مَن نصبهم للإمامة من أطائب عترته وخيار ذريته خلفاء الأمة وولاة الحق، والقوامون بالعدل، فيقولان: على هذا حييت، وعلى هذا مت، وعلى هذا تبعث إن شاء الله تعالى، وتكون مع من تتولاه في دار كرامة الله ومستقر رحمته، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وإن كان لأوليائنا معادياً، ولأعدائنا موالياً، ولأضدادنا بألقابنا ملقباً، فإذا جاءه ملك الموت لنزع روحه مَثّل الله عز وجل لذلك الفاجر سادته الذين اتخذهم أرباباً من دون الله، عليهم من أنواع العذاب ما يكاد نظره إليهم يهلكه، ولا يزال يصل إليه من حر عذابهم ما لا طاقة له به، فيقول له ملك الموت: يا أيها الفاجر الكافر تركت أولياء الله إلى أعدائه، فاليوم لا يغنون عنك شيئاً، ولا تجد إلى مناص سبيلاً، فيرد عليه من العذاب ما لو قسم أدناه على أهل الدنيا لأهلكهم، ثم إذا أدلي في قبره رأى باباً من الجنة مفتوحاً إلى قبره يرى منه خيراتها، فيقول له منكر ونكير: انظر إلى ما حُرِمتَه من تلك الخيرات، ثم يفتح له في قبره باب من النار يدخل عليه منه من عذابها، فيقول: يا رب لا تُقِم الساعة يا رب لا تُقِم الساعة[1].
[1] تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)، المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): ص ٢١٨.