صبره (صلى الله عليه وآله)

قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ)[1].

إنَّ من أهم علامات المؤمن الصبر، وهذا ما صرَّح به الرسول (صلى الله عليه وآله)حيث قال: (الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد)[2]، وأكَّده أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، بقوله : (وعليكم بالصبر فإنَّ الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه)[3]، إلا أنَّ الصابرين قليل، مع أنَّ الصبر للمؤمن علامة، وللراضي بقضاء الله وقدره وسام، وهو لمن يتجسّد به بشرى ونور، قال تعالى:  (... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[4].

وفي الكافي بسنده عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد الله الصادق(عليه السلام): (يا حفص، إنَّ من صبر صبر قليلاً، وإنَّ من جزع جزع قليلاً، ثمَّ قال(عليه السلام): عليك بالصبر في جميع أمورك، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) فأمره بالصبر والرفق فقال:  (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا، وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ)[5] وقال: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[6]، فصبر حتى إذا ما نالوه بالعظائم ورموه بها، ضاق صدره، فأنزل الله عليه:  (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ)[7]  ثمَّ كذَّبوه ورموه فحزن لذلك، فأنزل الله: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا)[8] فألزم النبي(صلى الله عليه وآله)
نفسه الصبر، فتعدَّوا، فذكر الله تبارك وتعالى، فكذَّبوه، فقال (صلى الله عليه وآله): قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي، ولا صبر لي على ذكر إلهي، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)[9] فصبر النبي (صلى الله عليه وآله)  في جميع أحواله)[10].

إنَّ الصبر له عاقبة حسنة، فمتى ما صبر المؤمن وأحتسب، تكون عاقبته عاقبة خير، ولهذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نموذجاً فريداً في الصبر، فقد روي عن عبد الله بن مسعود قال: (كأنَّي أنظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحكي نبيّاً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه وهو  يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون)[11].

وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:  (عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن: إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له)[12].

 


[1]     سورة النحل: آية 127.

[2]     الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص88.

[3]     نهج البلاغة خطب الإمام علي (عليه السلام):  ج4، ص18.

[4]     سورة البقرة: الآيات 155 - 157.

[5]     سورة المزمل: الآيات 10 - 11.

[6]     سورة فصلت: الآيات 34- 35.

[7]     سورة الحجر: الآيات 97 -98.

[8]     سورة الأنعام: الآيات 33 - 34.

[9]     سورة طه: آية 130.

[10]    الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص88.

[11]    ميزان الحكمة محمد الريشهري: ج4، ص3228.

[12]    كنز العمال للمتقي الهندي: ج1، ص145.