أما الحلم فهو إغضاءُ الرجل، حيث يزيدُه الإغضاء رفعةً ومهابةً، وهو من السجايا والأخلاق الحميدة، لأنَّه خُلقُ الأنبياء، وأدب النُبلاء، ودأب الفُضلاء، وهو من الصفات الفطرية التي تُولَد مع الإنسان، وهو كذلك يتأتَّى بالتَّحلُّم، والتخلُّق، ومجالسة الحُلماء، كما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):
(إنَّما العلم بالتعلّم، وإنَّما الحلم بالتَّحلُّم)[1].
ومن حلم الرسول (صلى الله عليه وآله): أنَّه كلَّما آذاه قومه الكفار، وبالغوا فيما يفعلون قال: (اللهم أغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون)[2]، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالإضافة إلى ما يتحلَّى به من الحلم، يقوم بمدح مَن يتصف بهذه الصفة ويشجّعه على ذلك، كما مدح أشبح عبد القيس بقوله: (إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحلم والأناة)[3].
علماً أنَّ هذا العفو والصفح ليس من التكليف الواجب على المظلوم، بل مطلوب من جهة الإحسان والتفضُّل، كما في قوله تعالى في وصف المتقين:
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[4]، وقوله تعالى: (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[5].
إنَّ الثَّمرات الناتجة عن الحلم ثمرات عظيمة، فهو يبلغ بصاحبه أرفع المنازل وأسماها، فقد روي عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) أنَّه قال: (...لا عز أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الأدب، ولا نسب أوضع من الغضب...)[6]، والحلم هو أساس الرفق، كما عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله)...): إِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يُوضَعْ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا زَانَه، ولَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَه)[7]، وهو الباعث على العفو وتخفيف حدَّة الغضب.