آدابه (صلى الله عليه وآله)

أما آدابه فقد جمعها بعض العلماء من الأخبار:

كان النبي (صلى الله عليه وآله) أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم، لم تمس يده يد امرأة لا تحل، وأسخى الناس لا يثبت عنده دينار ولا درهم، فإن فَضُل ولم يجد مَن يعطيه ويجنّه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما أتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله، ولا يُسأل شيئاً إلا أعطاه ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء، وكان يجلس على الأرض وينام عليها ويأكل عليها، وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويفتح الباب، ويحلب الشاة، ويعقل البعير ويحله، ويطحن مع الخادم إذا أعيى، ويضع طهوره بالليل بيده ولا يتقدمه مطرق، ولا يجلس متكئاً، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم، وإذا جلس على الطعام جلس محقراً، وكان يلطع أصابعه، ولم يتجشأ قط، ويجيب دعوة الحر والعبد ولو على ذراع أو كراع، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويأكلها ولا يأكل الصدقة، ولا يثبت بصره في وجه أحد، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه.

وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد، لا يلبس ثوبين، يلبس برداً حبرة يمنية وشملة جبة صوف، والغليظ من القطن والكتان، وأكثر ثيابه البياض ويلبس العمامة تحت العمامة، يلبس القميص من قبل ميامنه، وكان له ثوب للجمعة خاصة، وكان إذا لبس جديداً أعطى خلق ثيابه مسكيناً، وكان له عباء يفرش له حيث ما ينقل تثنى ثنيتين، يلبس خاتم فضة في خنصره الأيمن، يحب البطيخ، ويكره الريح الردية، ويستاك عند الوضوء، ويردف خلفه عبده أو غيره، ويركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار، ويركب الحمار بلا سرج وعليه العذار، ويمشي راجلاً وحافياً بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة، ويشيع الجنائز ويعود المرضى في أقصى المدينة، يجالس الفقراء ويواكل المساكين ويناولهم بيده، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله، ولا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، وكان أكثر الناس تبسماً ما لم ينزل عليه قرآن ولم تجرِ عظة، وربما ضحك من غير قهقهة، لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا في ملبس، ما شتم أحداً بشتمة ولا لعن امرأة ولا خادماً بلعنة ولا لاموا أحداً إلا قال دعوه، ولا يأتيه أحد حراً وعبداً وأَمَة إلا قام معه في حاجته، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يغفر ويصفح، ويبدأ من لقيه بالسلام، ومَن رامه بحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، وما أخذ أحدٌ يده فيرسل يده حتى يرسلها، وإذا لقي مسلماً بدأه بالمصافحة، وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله، وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه وقال: ألك حاجة؟ وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعاً، وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة، وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه، ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته، وكان في الرضا والغضب لا يقول إلا حقاً، وكان يأكل القثاء بالرطب وبالملح، وكان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب وأكثر طعامه الماء والتمر وكان يتمجع[1] اللبن بالتمر ويسميهما الأطيبين، وكان أحب الطعام إليه اللحم ويأكل الثريد باللحم، وكان يحب القرع، وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده، وكان يأكل الخبز والسمن، وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن القدر الدبا ومن الصباغ الخل ومن التمر العجوة ومن البقول الهندبا والبادروج[2] والبقلة اللينة[3].

 


[1] المجيع: تمر يعجن بلبن، وتمجع: أكل التمر اليابس باللبن معاً وأكل التمر وشرب عليه اللبن.

[2] باذروج: نبات يؤكل، وهو نوع من الريحان الجبلي.

[3] مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب: ج1، ص126-130.