العقيدة بالله تعالى

الاعتقاد الحق بالله جل وعلا أنه سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[1]، وليس له شبيه، ولا هو بجسم، فــ (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[2]، ونعتقد بأن لا يراه أحد لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأنه لا هيئة له ولا شكل، وهذا هو اعتقاد الشيعة الإثني عشرية.

  وعلى ذلك توجد الكثير من الأدلة والشواهد القرآنية، فقد جاء في الكتاب العزيز على لسان موسى (عليه السلام) في كتاب الله: (.. رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ..)، (.. قَالَ لَنْ تَرَانِي..)، فــ (لن) هنا تفيد التأبيد، ثم أوحى إليه: (وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)[3]، ومن هنا نعلم أنه لا يتسنى لأحد الوقوف على حقيقة الله حتى وأن جمع علوم الأولين والآخرين، وأن الله تعالى لا يحدّه شيء فهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وأن كل من يبغي إدراكه - الله تعالى - بوهمه وخياله فهو لا يدرك سواهما.

  وأما اعتقاد بعض أبناء العامة في الله سبحانه برؤيته يوم القيامة وأن له رجلاً أو يداً أو وجهاً فكل ذلك يغاير نصَّ القرآن تماماً؛ لأنه تعالى ينفي إمكان رؤيته بالمرة، ولكنهم يعتقدون أنه يكشف عن ساقه للمؤمنين يوم القيامة، وأن فيها علامة خاصة[4]، فتصوروا أنّ لله جسم[5] وأي جسم! يضحك ويمشي[6]، وله يدان ورجلان[7]!! وينزل كل ليلة من السماء إلى الدنيا[8]!! وفي يوم القيامة حين تطلب جهنم من الله أن تزداد وتمتلئ؛ لأن فيها متسعاً من المكان، فإن الله جلّ وعلا يضع رجله فيها فتمتلئ وتقول: قط قط قط[9] فهل يجوز التقوّل بمثل هذا على الله جلت عظمته؟! وما الذي يدفع القوم إلى وصف الله بأنه جسم متحرك له عواطف ذاتية وصفات مادية؟!

  وهذا الفهم والتسطيح للذات المقدسة لا تجده في علم أهل البيت (عليهم السلام)، فقد تواترت واستفاضت الروايات عنهم (عليهم السلام) بتنزيه الذات المقدسة عن كل صفات الممكن، فعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (لَمْ يَزَلِ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ رَبَّنَا، وَالْعِلْمُ ذَاتُهُ وَلَا مَعْلُومَ، وَالسَّمْعُ ذَاتُهُ وَلَا مَسْمُوعَ، وَالْبَصَرُ ذَاتُهُ وَلَا مُبْصَرَ، وَالْقُدْرَةُ ذَاتُهُ وَلَا مَقْدُورَ، فَلَمَّا أَحْدَثَ الْأَشْيَاءَ وَكَانَ الْمَعْلُومُ، وَقَعَ الْعِلْمُ مِنْهُ عَلَى الْمَعْلُومِ، وَالسَّمْعُ عَلَى الْمَسْمُوعِ، وَالْبَصَرُ عَلَى الْمُبْصَرِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَقْدُورِ، قَالَ: قُلْتُ: فَلَمْ يَزَلِ اللهُ مُتَحَرِّكاً؟

قَالَ: فَقَالَ: «تَعَالَى اللهُ؛ إِنَّ الْحَرَكَةَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ بِالْفِعْلِ».

قَالَ: قُلْتُ: فَلَمْ يَزَلِ اللهُ مُتَكَلِّماً؟

قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ لَيْسَتْ بِأَزَلِيَّةٍ، كَانَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَلَا مُتَكَلِّمَ)[10].

  فصفات الله سبحانه ما هو ثابت له عز وجل في الأزل وهو كمال في نفسه وعلى الإطلاق، وضده نقص، ويسمى بصفة الذات وهو على قسمين: قسم لا إضافة له إلى غيره جل ذكره أصلا بل له وجه واحد كالحياة والبقاء، وقسم له إضافة إلى غيره ولكن تتأخر إضافته عنه كالعلم والسمع والبصر فإنها عبارة عن انكشاف الأشياء له في الأزل كلياتها وجزئياتها كل في وقته وبحسب مرتبته وعلى ما هو عليه فيما لا يزال مع حصول الأوقات والمراتب له سبحانه في الأزل مجتمعة وإن لم تحصل بعد لأنفسها وبقياس بعضها إلى بعض متفرقة، وهذا الانكشاف حاصل له بذاته من ذاته قبل خلق الأشياء بل هو عين ذاته.

مجلة اليقين، العدد (49)

 


[1] الشورى: 11.

[2] الأنعام: 103.

[3] الأعراف: 143.

[4] راجع صحيح البخاري: ج 9، ص 159.

[5] مسند أحمد بن حنبل: ج 2، ص 323.

[6] صحيح البخاري: ج 9، ص 158.

[7] صحيح البخاري: ج 9، ص 152 و164.

[8] صحيح البخاري: 9ج، ص175.

[9] صحيح البخاري: ج 9، ص 164.

[10] الكافي للكليني: ج1، ص107.