رسالة الأنبياء (عليهم السلام)

إن الأنبياء والرسل والأوصياء (عليهم السلام) هم الحاملون لرسالة الله، وهم الهداة إلى معرفته، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ...)[1].

وفي آية أخرى قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[2].

فرسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ومن قبلهم من الأنبياء والرسل (عليهم السلام) قد ابتعثهم الله حتى يوحّد العباد ربهم بعدما أنكروه، ويعلموهم عنه ما جهلوه؛ ليعرفوه بربوبيته ويوحدوه بإلهيته، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة طويلة قال فيها: (... فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ...)[3]، فكما هم الأطباء والمعالجون يعملون من أجل الوقاية كما يعملون من أجل العلاج، فكذلك حال الأنبياء والرسل والأوصياء (عليهم السلام)، فإنهم بُعثوا لوقاية الإنسان من الذنوب والآثام ومعالجتها إن ارتكبوها، فالإنسان تحيط به الظروف، وإن لهذه الظروف الأثر في تكوين مشاعره، إذ هو لا يتغير إلا بتغيّر ظروفه الاقتصادية والاجتماعية من حوله، وهذا قانون شامل حتى للجماد، فإن البيئة تُكيّفه وتجعله ملائماً لطبيعتها، ولا منافاة ولا تنافر أبداً بين الدين وهذه النظرية، لأن رسالة الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) تحمل الدعوة إلى تغيير الأوضاع والتكيّف مع كل جديد تارة، والإصلاح من الجذور تارة أخرى.

  لكن البعض ينكر أصل بعث الأنبياء (عليهم السلام) وارسالهم من لدن عزير حكيم، كما أنكر ذلك بعض الزنادقة وهو بمحضر الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال له الإمام (عليه السلام): (إِنَّا لَمَّا أَثْبَتْنَا أَنَّ لَنَا خَالِقاً، صَانِعاً، مُتَعَالِياً عَنَّا وَعَنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ، وَكَانَ ذلِكَ الصَّانِعُ حَكِيماً مُتَعَالِياً، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَاهِدَهُ خَلْقُهُ وَلَا يُلَامِسُوهُ؛ فَيُبَاشِرَهُمْ وَيُبَاشِرُوهُ، وَيُحَاجَّهُمْ وَيُحَاجُّوهُ، ثَبَتَ أَنَّ لَهُ سُفَرَاءَ فِي خَلْقِهِ، يُعَبِّرُونَ عَنْهُ إِلى خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ، وَيَدُلُّونَهُمْ عَلى مَصَالِحِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ وَمَا بِهِ بَقَاؤُهُمْ، وَفِي تَرْكِهِ فَنَاؤُهُمْ)[4].

وأما البعض الآخر فإنه يستشكل بأن الله تعالى شأنه لو أراد هداية الخلق لهداهم بدون واسطة، ولما أحتاج لبعث الأنبياء والرسل والأوصياء (عليهم السلام)، أليس ذلك في حيز اللـه وقــدرته؟!

    وخير جواب ورد عن هذه المغالطة هو قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (إِنَّ اللهَ - تَبارَكَ وتَعالى - لَو شاءَ لَعَرَّفَ العِبادَ نَفسَهُ، ولكَن جَعَلَنا أَبوابَهُ وصِراطَهُ وسَبيلَهُ، وَالوَجهَ الَّذي يُؤتى مِنهُ؛ فَمَن عَدَلَ عَن وِلايَتِنا أَو فَضَّلَ عَلَينا غَيْرَنا فَإِنَّهُم عَنِ الصِّراطِ لَناكِبونَ..)[5].

  فالنبي والأئمة (عليهم السلام) هم الباب الذي يؤتى منه الله تبارك وتعالى، وهم خزنته وعيبة علمه، كما روى علي بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا، وَصَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا، وَجَعَلَنَا خُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ، وَلَنَا نَطَقَتِ الشَّجَرَةُ، وَبِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْلَانَا مَا عُبِدَ اللهُ)[6]، وعن بريد العجلي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (بِنَا عُبِدَ اللهُ، وَبِنَا عُرِفَ اللهُ، وَبِنَا وُحِّدَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى، وَمُحَمَّدٌ حِجَابُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى)[7].

مجلة اليقين، العدد (46)

 


[1] النحل: 36.

[2] الأنبياء: 25.  

[3] بحار الأنوار، للمجلسي: ج11، ص60.

[4] الكافي للكليني: ج1، ص410

[5] الكافي للكليني: ج1، ص 184.

[6] بصائر الدرجات: ص١٠٥، ح٩.

[7] الكافي للكليني: ج1، ص145.