إنّ الله سبحانه وتعالى يبتلي الناس، إمّا بحرمانهم من النعمة، أو بإعطائهم إياها، فيعطيهم المال مثلاً فيرى ماذا يصنعون به، أو يحرمهم منه ليرى صبرهم.
والحرمان وفقدان النعمة اختبار أصعب من توفر النعمة وتحصيلها، فلماذا لا يتساوى جميع الناس بالابتلاء والاختبار؟
فالفقير قد يشعر بأنّ الغني أفضل منه، وأنّ الله قد ابتلاه أكثر من ابتلائه للغني، وهكذا قد يشعر المريض، أو المحروم من نعمة الأولاد، بأنه مبتلى أكثر من غيره، وغيره أقل ابتلاء، وهل هذه الأفكار نعاقب عليها؟ فكيف السبيل لأن نثبّت أقدامنا ونصبر على الابتلاء؟
إن الابتلاء والاختبار والامتحان في دار الدنيا من الموضوعات الدقية التي تبتني على أُسس وحكم، تبلغ إلى مرتبة الأسرار الإلهية التي لا يمكن أن تدركها العقول الآدمية مهما بلغت من العظمة، وأُوتيت من الأسباب.
إلاّ أنّ المتحصّل ممّا ورد في كتاب الله الكريم والسُنّة النبوية الشريفة على لسان أئمتنا الأطهار عليهم السلام: أنّ الابتلاء إنّما هو لأجل إظهار حقيقة الإنسان، ليصل إلى الجزاء الموعود، الذي أعدّه الله تعالى في الدار الآخرة، فلم يكن الابتلاء والامتحان بحسب المنظور القرآني لأجل ميزة دنيوية، أو الحصول على جزاء دنيوي إلاّ في بعض الموارد التي ورد النص فيها خيراً كان أو شرّاً.
فالفقر والأمراض والمحن والآلام وغيرها، ممّا يعدّها الإنسان ابتلاءات، إمّا أن تكون سُبلاً للوصول إلى المقامات الرفيعة والكمالات الواقعية والدرجات الراقية في الآخرة، فهي درجات للرفعة والقرب الإلهي، أو تكون سبباً في رفع الموانع عن طريق الإنسان بالآخرة، فإمّا هي لتحقيق المقتضى لنيل الكمالات، أو لإزالة الموانع والعقبات، فهي لا تعدّ بهذا المنظور ابتلاءً في الواقع، فالفقر والمرض بهذا المقياس لا يكونا محناً، بل سبباً لنيل الكمال.
نعم، إذا كان المقياس في المرتبة الدنيوية، فحينئذ تكون هذه الابتلاءات بالنسبة لهذه المرتبة وحظوظها من عدمه نوعاً من الحرمان، لذا يختلط الأمر على بعضنا، ولربما تكون النعم والمحن مرجعها إلى بعض الأعمال الصادرة من الشخص أو بعض الصفات المرتكزة فيه، وحينئذ لا تكون الأُمور الحاصلة بالنسبة إلى هؤلاء الأفراد من دون سبب، فهي تابعة لأسباب أو أُمور دقيقة واقعية.
ومن الناس الذين ابتلوا بهذه الابتلاءات قد لا يدركون انهم ممتحنون من قبل الله عز وجل فيلجؤون إلى السرقة وما شابهها من المعاصي لنيل احتياجاتهم وتوفيرها فماذا عنهم؟
إن أمثال هؤلاء سيصدر منهم العصيان في كل حال يمرون به فإذا كانوا في حال الغنى والبطر فسيبتلون بالطغيان والظلم وما أشبه ذلك، وان كانوا في حال الفقر فسيبتلون بالتجاوز على حقوق الآخرين من اجل سد حاجاتهم وليس السبب في عصيانهم هو وقوعهم في الفقر أو الغنى بل السبب هو عدم معرفتهم بالله واليوم الآخر أو تناسيهم وغفلتهم عن تلك المعرفة ففي أي حال يكونون عليه سيصدر منهم العصيان والعلاج يكون بالرجوع إلى الله والتوبة إليه.
نعم قد يكون بعض الناس معذورين في صدور بعض الأفعال عنهم لأن الحجة لم تتم عليهم بوصول الأديان إليهم، أو لم يصل إليهم الدين الحق.
وان وقوعهم في حالة صعبة قد يكون لإيصالهم إلى الطريق القويم أو لتخفيف العذاب عنهم في عوالم أخرى، أو لأن ذلك سنة إلهيه قد سرت من جراء بعض المعاصي وهي أن يصاب أصحابها بالفقر والعوز والمرض وما شاكل ذلك.
فالملخص من كل ذلك عدم كون الاختبار هو سبب الابتلاء، بل ذكر العلماء أسباباً منها ظلم الآخرين لهم مثلاً أو نتيجة الأسباب الدنيوية والسنن؟ الحاكمة في الدنيا أو الآثار الوضعية لبعض الأعمال سواء منهم أو من آباءهم أو من مجتمعاتهم.
مجلة اليقين، العدد (43)