الإمامة والبلوغ

سؤال يطرح نفسه في الأجواء العقائدية، هل البلوغ شرط في الإمامة أم لا؟

وإن كان شرطا فكيف تولّى الإمام الجواد (عليه السلام) الإمامة وهو لم يبلغ العشر سنين؟! 

ولمعرفة ذلك نقول: إنّ كِبَرَ عُمْر الشخص وبلوغه ليس مقياساً في إيهاب الفرد قيمةً وتقديراً في المجتمع كما هو دارج ومتعارف عند الناس، بل ربما يعد مثلبة ونكوصاً، لقوله تعالى: (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ)[1]، طبعاً باستثناء الأَنبياء والرّسل والأَوصياء(عليهم السلام)، فمهما بلغوا من العمر كبراً فإنهم لا يتأثرون بما يتأثر به الأُناس العاديون، ولذلك للعناية والرعاية الإلهية بهم، وخير شاهد على ذلك حياة الإمام الحجة المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فقد تجاوز عمره الـ (1184) عاماً وهو حيٌّ بكامل الصفات، بل سيبقى هكذا أياماً وسنين حتى يأذن الله تعالى له بالظهور.

وأما صغر السن فهي سُنّةٌ جارية في الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، فقد بعث الله عز وجل يحيى(عليه السلام) نبياً وهو في عمر الصِّبا، قال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)[2]، وهكذا هو الحال في نبي الله عيسى(عليه السلام) الذي اتخذه الله تعالى نبيا وهو في المهد، قال تعالى: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)[3]، فالمقياس عند الله يتبع الإمكانيات والموهبة والقدرة والاستطاعة المستقبلية، والتميّز عما عداه من الأفراد، لا من ناحية الكبر والصغر في السن.

وهذه السُّنَّة جرت في الأئمة(عليهم السلام)، فالإمام الجواد(عليه السلام) أحد الأوصياء الذين آتاهم الإمامة والعلم وهو صبيٌّ، فقد روي في حادثة علي بن جعفر عمّ الإمام الرضا(عليه السلام) مع الإمام الجواد(عليه السلام) أن محمّد بن الحسن بن عمارة قال: كنت عند علي بن جعفر بن محمّد جالساً بالمدينة، وكنت أقمت عنده‌ سنتين، أكتب عنه ما يسمع من أخيه يعني أبا الحسن(عليه السلام) إذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن عليّ الرّضا(عليه السلام) المسجد مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه، فقال له أبو جعفر(عليه السلام): يا عمّ اجلس رحمك الله، فقال: يا سيّدي كيف أجلس وأنت قائم؟ فلمّا رجع عليّ بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون: أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟!

فقال: اسكتوا إذا كان الله عزّ وجلّ، وقبض على لحيته، لم يؤهّل هذا الشّيبة وأهّل هذا الفتى، ووضعه حيث وضعه أَنكر فضله؟ نعوذ بالله ممّا تقولون، بل أَنا له عبد[4].

فنلاحظ أن علي بن جعفر كيف أذعن للإمام الجواد (عليه السلام) وهو صغير، وهو إذعان تعبدي بمقام الإمام الجواد (عليه السلام) وبعلمه وبإمامته، وهذا واضح من قول علي بن جعفر: (لم يؤهّل هذا الشّيبة وأهّل هذا الفتى)، وهذه هي العقيدة الحقّة التي نسلّم بها تسليماً، لأنها عقيدة القرآن والسُّنَّة المطهّرة، وهي قائمة على الاعتقاد بقدرة الله تعالى، فإنه يهب تلك القدرات لمن يشاء، ويمنعها عمن يشاء، وهو على كل شيء قدير.

مجلة اليقين، العدد (41)

 


[1] يس: 68.

[2] مريم: 12.

[3] مريم: 27-28-29-30.

[4] الكافي: ج 1، ص322.