النفس

النَّفْسُ: هي الرُّوحُ التي تحلُّ بها الحياة، وهي أَولُّ ما خلقه اللهُ سبحانه وتعالى، لقول النبيِّ (صلى الله عليه وآله): (إِنَّ أَوّلَ مَا أَبْدَعَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى هِيَ النُّفوسُ المُقَدَّسَةُ المُطَهَّرَةُ، فَأَنْطَقَهَا بِتَوْحيدِهِ، ثُمَّ خَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ سَائِرَ خَلْقِهِ)[1].

وقد خُلِقت الرُّوحُ للبقاء لا للفناء، لقول النبيِّ الأَكرم(صلى الله عليه وآله): «مَا خُلِقْتُمْ لِلْفَنَاءِ بَلْ خُلِقْتُمْ لِلْبَقَاءِ، وَ إِنَّمَا تُنْقَلُونَ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ، وَأَنَّها في الأَرْضِ غَرِيبَةٌ، وَفي الأَبْدَانِ مَسْجُونَةٌ»[2]، والنفوس حتى لو فارقت الأَبدان فهي باقية، فمنها المنعّمة، ومنها المعذّبة، إِلى أَن تُرَدَّ إِلى أَبدانها لقوله تعالى: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ)[3]، فما لم يرفع منها إِلى الملكوت تسقط في الهاوية، لقوله تعالى: (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى)[4]، وذلك لأَن الجنة درجاتٌ والنَّارَ دركاتٌ، وقالَ الإِمام الصَّادق(عليه السلام): «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ»[5]، فمعناه: أَن الأَرواح خُلِقت مجتمعةً على قسمين، مؤتلفة ومختلفة، ثم فُرّقت في الأَجساد فإِذا كان الائتلاف والمؤاخاة في الخلق كان التعارف والتآلف بعد الاستقرار في البدن، وإِذا كان التخالف في الخلق كان التنافر في الأَبدان، لقولِ الصَّادقِ(عليه السلام): «نَّ اللهَ آخَى بَيْنَ الْأَرْوَاحِ فِي الْأَظِلَّةِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَجْسَادَ بِأَلْفَيْ عَامٍ فَلَوْ قَامَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ (عليهم السلام) وَرَّثَ الْأَخَ الَّذِي آخَى بَيْنَهُمَا فِي الْأَظِلَّةِ، وَلَمْ يُوَرِّثِ الْأَخَ فِي الْوِلَادَةِ»[6]، وقال(عليه السلام) أَيضا: «إِنَّ الْأَرْوَاحَ فِي صِفَةِ الْأَجْسَادِ فِي شَجَرٍ فِي الْجَنَّةِ تَسَاءَلُ وَ تَعَارَفُ، فَإِذَا قَدِمَتِ الرُّوحُ عَلَى الْأَرْوَاحِ تَقُولُ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ هَوْلٍ عَظِيمٍ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهَا مَا فَعَلَ فُلَانٌ وَ مَا فَعَلَ فُلَانٌ، فَإِنْ قَالَتْ لَهُمْ: تَرَكْتُهُ حَيّاً، ارْتَجَوْهُ، وَإِنْ قَالَتْ لَهُمْ: قَدْ هَلَكَ، قَالُوا: قَدْ هَوَى هَوَى»[7].

فاعتقادنا بالرُّوح أَنها ليست من جنس البدن، بل هي خلق آخر، لقوله تعالى: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)[8].

وقد خلقَ اللُه تعالى الناس على ثلاثِ طبقات، وأَنزلهم ثلاثَ منازل، كقولهِ (جلَّ وَعَلا): (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)[9].

فقوله تعالى: (السَّابِقُونَ)‏ فيعني بهم الأَنبياء المرسلين وغير المرسلين، فجعل فيهم خمسة‏ أَرواح:

1ـ رُوحُ القُدُسِ، بُعثوا من خلالها أَنبياء مرسلين وغير مرسلين، وبها علموا الأَشياء وعبدوا الله.

2ـ ورُوحُ الإِيمانِ، فعبدوا بها اللهَ، ولم يشركوا به شيئاً.

3ـ ورُوحُ القُوّة، جاهدوا بها عدوهم، وعالجوا معايشهم.

4ـ ورُوحُ الشَّهوة، أَصابوا من خلالها لذيذَ الطَّعام، ونكحوا الحَلالَ‏ من النِّساء.

5ـ ورُوحُ البَدَن، قد دبّوا بسببِها ودَرَجوا، فهؤلاءِ مصفوحٌ عنهم.

وأَما (أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) في الآية الآنفة الذِّكر فهم المؤمنون حقّاً بأَعيانهم، قد جعل اللهُ فيهم أَربعة أَرواح مما ذكرنا، مُستثنياً منهم روح القدس.

وأَما (أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) في الآية الكريمة فهم اليهود والنصارى، فقد قالَ اللهُ فيهم: (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ)[10]، أَي: يعرفون مُحمداً والولايةَ كما يعرفون أَبناءهم، فلمّا جحدوا ما عرفوه ابتلاهم اللهُ بجحدهم هذا، فسلبهم روح الإِيمان، وأَسكن ‏أَبدانهم أَرواحاً ثلاثة: روح القوّة، وروح الشَّهْوة، وروح البَدَن، بل أَضافهم اللهُ إِلى الأَنعام، فقالَ تَعَالى: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ)[11]، لإنَّ الدَّابة إِنما تحمل بروح القوّة، وتعتلف ‏بروح الشهوة، وتسير بروح البدن.

ومع علمنا بكلِّ ما تقدّم تبقى الروحُ مبهمةً بالنسبةِ لنا لقولهِ تَعَالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[12].

مجلة اليقين، العدد (40)

 


[1] شرح أصول الكافي للمازندراني: ج6، ص70.

[2] البحار للمجلسي: ج6 ص249.

[3] المعارج: 4.

[4] طه: 81.

[5] الكافي للكليني: ج 2 ص 168.

[6] الهداية للصدوق: ص343.

[7] من لا يحضره الفقيه للصدوق: ص 193.

[8] المؤمنون: 14.

[9] البلد: 18.

[10] البقرة: 146.

[11] الفرقان: 44.

[12] الإسراء: 83.