قيل إن أفعال العباد مخلوقةٌ خلقَ تقديرٍ لا خلقَ تكوينٍ، ومعنى ذلك أَن الله سبحانه لم يزل عالماً بمقاديرها.
والصحيحُ عن آل محمد(صلى الله عليه وآله) هو: أن أفعال العباد غير مخلوقة لله تعالى، والذي ذُكِرَ غيرُ معمول به، ولا مرضيَّ الإسناد، والأَخبارُ الصحيحةُ بخلافهِ، وليس يعرف في لغة العرب أَن العلم بالشيء هو خلقٌ له، ولو أنه كما قال المخالفون للحقِّ لوجبَ أن يكون علمُ النَّبيِّ(صلى الله عليه وآله) هو خلق له، ومن عَلِمَ السماءَ والأرضَ فهو خالق لهما، ومن عرف بنفسه شيئاً من صنع الله تعالى وقرّره في نفسه لوجب أن يكون خالقاً له، وهذا محالٌ، لا يذهب وجهُ الخطأ فيه على بعض رعية الأئمة فضلاً عنهم(عليه السلام).
فأمّا التقدير لغةً: فهو الخلق، لأن التقدير لا يكون إلا بالفعل، فأما بالعلم فلا يكون تقديراً، وكذلك بالفكر لا يكون تقديراً أيضاً، واللهُ تعالى متعالٍ عن خلق الفواحشِ والقبائحِ على كل حال.
وقد روي عن أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا(عليه السلام): أنه سئل عن أفعال العباد، فقيل له: هل هي مخلوقة لله تعالى؟ فقال(عليه السلام): «لو كان خالقاً لها لما تبرأ منها».
وقد قال سبحانه: (أَنَّ الله بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)[1] ولم يرد البراءة من خلق ذواتِهم، وإنما تبرأُ من شركِهم وقبائِحهم.
وسأل أبو حنيفة أبا الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام) عن أفعال العباد ممن هي؟ فقال له أبو الحسن(عليه السلام): إنّ أفعال العباد لا تخلو من ثلاثة منازل:
إما أن تكون من الله تعالى خاصّةً، أو من الله ومن العبد على وجه الاِشتراك فيها، أو من العبد خاصة، فلو كانت من الله تعالى خاصةً لكان أول بالحمد على حسنها والذم على قبحها، ولم يتعلق بغيره حمد ولا لوم فيها، ولو كانت من الله ومن العبد لكان الحمد لهما معا فيها، والذم عليهما جميعاً فيها، وإذا بطل هذان الوجهان ثبت أنها من الخلق، فإن عاقبهم الله تعالى على جنايتهم بها فله ذلك، وإن عفا عنهم فهو أهل التقوى وأهل المغفرة.
وفي أمثال ما ذكرناه من الأخبار ومعانيها ما يطول به الكلام.
وكتاب الله تعالى مقدم على الأحاديث والروايات، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه، فقد قال الله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ)[2]، فَأخبرَ بأن كل شيء خلقه فهو حسن غير قبيح، فلو كانت القبائح من خلقه لنا في ذلك حكمه بحسنها، وفي حكم الله تعالى بحسن جميع ما خلق شاهد على بطلان قول من زعم أنه خلق قبيحاً.
وقال تعالى: (.. مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ..)[3]، فنفى التفاوت عن خلقه، وقد ثبت أن الكفر والكذب متفاوت في نفسه، والمتضاد من الكلام متفاوت! فكيف يجوز أن يطلقوا على الله تعالى أنه خالق لأفعال العباد، وفي أفعالهم من التفاوت والتضاد ما ذكرناه مع قوله تعالى المتقدم، فنفى ذلك ورد على مضيفه إليه وأكذبه فيه[4].
مجلة اليقين، العدد (39)