الغُلو من المفاهيم التي يتبّناها الإنسان أحياناً، بسبب تبّني فكرة ما أو دين أو عنصرية أو غير ذلك، والذي يهمُّنا هنا الآن هو الغلو في الدين دون غيره.
فما هو معنى الغلو؟ وما هي حدوده التي إذا تعداها الإنسان كان مغالياً؟
الغلو في اللغة: هو التجاوز عن الحد والخروج عن القصد.
فقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ..)[1]، فنهى سبحانه عن تجاوز الحد في المسيح، وحذّر من الخروج عن القصد في القول، وجعل ما ادّعته النصارى فيه غلوّاً؛ لتعديهم الحدِّ على ما بيّناه في التعريف.
والغلاة هم أناس من المتظاهرين بالإسلام، وقد نسبوا لأمير المؤمنين(عليه السلام) الأُلوهية والنبوّة، وقد قال أمير المؤمنين(عليه السلام) فيهم: (لا تَتَجاوَزوا بِنَا العُبودِيَّةَ، ثُمَّ قُولوا ما شِئتُم ولَن تبلُغوا، وإِيّاكُم وَالغُلُوَّ كَغُلُوِّ النَّصارى، فَإِنّي بَريءٌ مِنَ الغَالينَ)[2]، ووصفوا الأئمة(عليهم السلام) إلى ما تجاوزوا فيه الحدَّ، وخرجوا عن القصد، وهم ضلّال كفّارٌ، حكّم فيهم أمير المؤمنين(عليه السلام) القتلَ، وقضتِ الأَئمةُ(عليهم السلام)عليهم بالاكفار والخروج عن الإسلام.
فالغلاة أخرجوا الأئمة أو بعضهم(عليهم السلام) عمّا نعتقده في حقّهم، من كونهم وسائط ووسائل بين الله تعالى وبين خلقه لوصول النعم منه إليهم، حيث إنه ببركتهم حلّت النعم على العباد، ورفع عنهم الشرور، قال الله سبحانه: (وَابتَغُوا إلَيه الوَسيلةَ)[3]، وكأن الغلاة التزموا بكون الأئمة(عليهم السلام)شركاء للهِ تعالى في العبودية والخلق والرزق، أو أنّ الله تعالى حلّ فيهم، أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى، أو أنّهم كانوا أنبياء، والقول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض، أو القول بأنّ معرفتهم تغني عن جميع التكاليف، وغير ذلك من الأباطيل.
فدعا الإمام الرضا(عليه السلام) إلى مقاطعة المنحرفين عقائدياً كالغلاة والمجبّرة والمفوِّضة مقاطعة شاملة وكلّية؛ لمنع تأثيرهم السلبي على الأمة، وأسند هذه الأمر إلى آبائه الأطهار تارة وإليه تارة أخرى، فورد عنه(عليه السلام): «الغُلاةُ كُفّارٌ، وَالمُفَوِّضَةُ مُشرِكونَ، مَن جالَسَهُم أو خالَطَهُم أو آكَلَهُم أو شارَبَهُم، أو واصَلَهُم أو زَوَّجَهُم أو تَزَوَّجَ مِنهُم، أو آمَنَهُم أوِ ائتَمَنَهُم عَلى أمانَةٍ، أو صَدَّقَ حَديثَهُم، أو أعانَهُم بِشَطرِ كَلِمَةٍ ، خَرَجَ مِن وَلايَةِ اللهِ عزَّ و جل ووَلايَةِ رَسولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) ووَلايَتِنا أهلَ البَيتِ(عليهم السلام)»[4].
وعن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) قال: «فَإِنَّ الغُلاةَ شَرُّ خَلقِ اللهِ، يُصَغِّرونَ عَظَمَةَ اللهِ، ويَدَّعونَ الرُّبوبِيَّةَ لِعِبادِ اللهِ، وَاللهِ إنَّ الغُلاةَ أشَرُّ مِنَ اليَهودِ وَالنَّصارى وَالَمجوسِ وَالَّذينَ أَشرَكوا»[5].
كما إن الشّيعة بريئون من الغلاة تبعاً لموقف أئمتهم المعصومين (عليهم السلام)، حيث أكدّوا على انحرافهم، وحذّروا النّاس من الاِنخداع بمعتقداتهم.
ويكفي في علامة الغُلو قول القائل عن الأئمة (عليهم السلام) سمات الحدوث وحكمه لهم بالإلهية والقدم، ولو قالوا بما يقتضي ذلك من خلق أعيان الأجسام واختراع الجواهر وما ليس بمقدور العباد من الأعراض، فلا يحتاج مع ذلك إلى الحكم عليهم بسمة للغلو على كل حال[6].
مجلة اليقين، العدد (38)