تعدُّ الإمامة في الفكر الشيعيّ الإماميّ منصباً من المناصب الإلهيّة التي يمنحها الله تعالى لأشخاص معيّنين ومحدّدين، وضمن مواصفات خاصّة.
فقد ذكر الشيخ كاشف الغطاء أنها (منصب إلهي كالنبوة)[1]، فكما أن الله سبحانه يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة، كذلك يختار للإمامة من يشاء، قال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)[2]، فيأمر نبيه بالنص عليه من بعده للقيام بالوظائف الموكلة إليه، غير أن الإمام لا يوحى إليه كالنبي، وإنما يتلقى الأحكام بوحي إلهامي، ألا ترى أنه لا يقف مكتوف الأيدي قبال المشكلات والمعضلات، فيكون نسخة عنه صلوات الله عليه، من فعل وقول وتقرير، فتكون الحلول حاضرة عنده، وبهذا يكون له ملاك وظيفة رسول الله(صلى الله عليه وآله) بصلاحياتها الواسعة والعريضة.
وعلى أساس هذه النظرة قامت فكرة النصّ على الإمام عند الشيعة، والتي تعني أنّ تحديد هذا المنصب يتمّ عن طريق الوحي الإلهيّ النازل على النبيّ الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) حصراً، وبدون أيّ تدخّل بشريّ، فله تعالى أن يختار من عباده من يشاء، ويصطفي من بينهم من يحبّ، فهو سبحانه أعلم بمصالح عباده، وأخبر بأحوالهم وما يحتاجون إليه، قال عز من قائل: (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)[3]، وليس للعبد إلّا أن يذعن ويعترف ويطيع ويسلّم.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «أترون الموصي منّا يوصي إِلى من يريد؟ لا والله، ولكن عهد من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) لرجل فرجل، حتّى ينتهي الأمر إلى صاحبه»[4].
فالإمامة متسلسلة في اثني عشر شخصاً، كل سابق ينص على اللاحق.
ويشترط في الإمام أن يكون معصوماً -كالنبي- عن الخطأ والخطيئة، وإلا لزالت الثقة به، فقوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[5]، دليلٌ صريحٌ في لزوم العصمة في الإمام، وأن يكون أفضل أهل زمانه في كل فضيلة، وأعلمهم بكل علم، لأن الغرض الرئيسي من بعث النبي ونصب الأئمة صلوات الله عليهم وسلامه، تكميل البشر، وتزكية النفوس وتهذيبها بالعلم والعمل الصالح، فقد قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[6]، والناقص لا يكون كاملاً فكيف يكون مكمّلاً للآخرين، ففاقد الشيء لا يعطيه، فعليه يكون الإمام في الكمالات دون النبي محمد(صلى الله عليه وآله) وفوق مرتبة البشر.
فمن اعتقد بالإمامة بالمعنى الذي ذكرناه فهو مؤمن بالمعنى الأخص، وإلّا فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم.
وهذا الأمر معقود في نواصي الشيعة، ويقولون به بدءاً من زمان أمير المؤمنين (عليه السلام)، حتّى آخر الأئمّة (عليهم السلام) القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ويمتازون به عن غيرهم، وقد ملئت به رواياتهم وأحاديثهم وكتبهم وعلى هذا جرى ديدنهم، وهو فرق جوهريٌّ نفترق به عن غيرنا، وما عداه من الفروق فرعية عرضية، لذا يختلف معنى الإمامة عندنا عما هو مذكور ومفهوم عند المذاهب الأخرى.
فالمذاهب الأخرى تعتقد بالإمامة على نحو مختلف، وتُصرّ عليه، فباعتقادهم أن مفهوم الإمامة: هو خلافة دينية ودنيوية فقط لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيخلف ها هنا الإمام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الدين والدنيا، وهنا يتداعى المفهوم، أي أن كل شخص يتولى الحكم والسلطة يكون خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا من عجائب الدهر، فلو تولى الحكم وتصدره من كان فاسقاً يصدق عليه مفهوم خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإماماً للمسلمين؟!، فكيف يكون ذلك يا ترى؟!
ناهيك على إن الإمامة لا تكون إلا بعد الإيمان الكامل بقدرة الله تعالى على وضع جميع الفضائل في فرد أو أفراد، يكونون قدوة للخلق، وملجاً لهم وباختياره سبحانه كما أسلفنا.
مجلة اليقين، العدد (34)