الرجعة

الرجعة من اعتقاداتنا الراسخة والمسلّم بها، وفيها يردّ الله قسماً ممن قضى نحبه إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعزّ منهم فريقاً، ويذلّ فريقاً، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين[1].

وكثيرة هي الآيات والروايات الدالة على إمكانها، فقد قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)[2]، فهؤلاء ماتوا ورجعوا إلى الدنيا، ثم ماتوا بآجالهم بعد ذلك، وأيضا في قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)[3]، فأمات الله جل وعلا عزيراً(عليه السلام) ماْئة عام، وأرجعه إلى الدنيا، وبقي فيها، ثم مات بأجله، وكذا حال المختارين من قوم موسى(عليه السلام): (ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[4].

وقال الله عز وجل لعيسى(عليه السلام): (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي)[5]، فجميع الموتى الذين أحياهم عيسى(عليه السلام) بإذن الله رجعوا إلى الدنيا، وبقوا فيها، ثم ماتوا بآجالهم.

وكذلك الحال مع أصحاب الكهف، فقد قال تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً)[6]، ثم بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا.

وكما صحّت الرجعة في الأمم السالفة كما مرّ آنفا، صحّت في أمة نبينا الكريم، وحبيب رب العالمين(صلى الله عليه وآله)، لقوله(صلى الله عليه وآله): «يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلُّ مَا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، وَحَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ»[7]، فقد قال تعالى في محكم كتابه: (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا)[8].

ويروى عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) أنه قال: «مَنْ لَمْ يَقُلْ بِرَجْعَتِنَا فَلَيْسَ مِنَّا»[9] فإنما أراد بذلك ما يختصه من القول في أن الله تعالى يحشر قوماً من أمة محمد(صلى الله عليه وآله) بعد موتهم قبل يوم القيامة، وهذا مذهب يختص به آل محمد(صلى الله عليه وآله)، والقرآن شاهد عليه، فقال سبحانه وتعالى في حشر الرجعة قبل يوم القيامة: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ)[10].

ولقول الصادق(عليه السلام) أيضا: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَرَّتِنَا»[11].

وأمّا زمان الرجعة فهي عند قيام القائم الإمام المهدي الحجة المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ويقسّم حينئذ الراجعين للحياة الدنيا إلى فريقين، أحدهما: من عَلَتْ درجته في الإيمان، وكثرت أعماله الصالحة، فيعزّه الله ويعطيه من الدنيا ما كان يتمنّاه.

وأمّا الفريق الآخر: فقد بلغ الغاية في الفساد، واقتراف المعاصي والسيّئات، فسينتصر الله تعالى لمن تعدّى عليه قبل الممات، ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلى الموت والنشور[12].

لكنا ومع الأسف نرى كثيراً من مخالفينا ينكرون الرجعة إنكار من يراها مستحيلة غير مقدورة، مع ما استعرضناه من آيات وروايات صريحة!

وأما الإمامية فالرجعة مشهورة عندهم إن لم نقل بإجماعهم على الرجعة، بأن الله تعالى يحيي قوماً ممن توفي قبل ظهور القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من مواليه وشيعته؛ ليفوزوا بمباشرة نصرته، وطاعته، وقتال أعدائه، ولا يفوتهم ثواب هذه المنزلة الجليلة التي لم يدركها، حتى لا يستبدل عليهم بهذه المنزلة غيرهم، والله تعالى قادر على إحياء الموتى، فلا معنى لتعجّب المخالفين، واستبعادهم لذلك.

مجلة اليقين، العدد (33)

 


[1]  أوائل المقالات للشيخ المفيد: ص50.

[2] البقرة: 243.

[3] البقرة: 259.

[4] البقرة: 56.

[5] المائدة: 110.

[6] الكهف: 25.

[7] من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج1، ص203.

[8] الفتح: 23.

[9] البحار للمجلسي: ج53، ص136.

[10] النمل: 83.

[11] وسائل الشيعة للعاملي: ج21، ص8.

[12] أوائل المقالات للشيخ الصدوق: ص ٥٠.