الشفاعة

الشفاعة في اللغة تأتي من شَفَعَ شفعاً، أَي: صيّر الشيء شفعاً، أي: جعله زوجاً، وذلك بأن يضيف إليه مثله، يقال كان وتراً فشفعهُ بآخر، أي قرنهُ به، وشَفَعَ شفاعةً لفلان، طلب أن يعاونه، وتشفّع لي في فلان طلب شفاعتي، هذا على مستوى اللغة.

وأما تعريف الشفاعة بحسب الاصطلاح، فهي: السؤال في التجاوز عن الذنوب، أو هي: عبارة عن طلب المشفوع له أمراً من المتشفع عنده، كشفاعة النبي (صلى الله عليه وآله) أو الأئمة (عليهم السلام) لسائر الخلق، وهي تأتي على عدة معانٍ:

الأول: طلب الدعاء من الغير، قال النبي(صلى الله عليه وآله): «ثُمَّ سَلُوا الله َ لِيَ الوَسيلَةَ، فَإِنَّها مَنزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ، لا تَنبَغي إلّا لِعَبدٍ مِن عِبادِ اللهِ، وأَرجو أَن أَكونَ أنَا هُوَ، فَمَن سَأَلَ لِيَ الوَسيلَةَ حَلَّت لَهُ الشَّفاعَةُ»[1]، فإنك عندما تطلب الدعاء من غيرك، معناه إنك تجعله واسطةً وشفيعاً في قضاء حاجتك، وغفران ذنوبك، أو رفع درجتك.

الثاني: تخليص النبي (صلى الله عليه وآله) لبعض الناس من عذاب الله يوم القيامة، ممن وقع في الذنوب والمعاصي، ويدل على قول النبي (صلى الله عليه وآله): (أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ، خَالِصاً، مُخْلِصاً مِنْ قَلْبِهِ)[2]، لكن ضمن شروط تأتي بعد سطور إن شاء الله تعالى.

وليست الشفاعة منحصرة بالنبي (صلى الله عليه وآله)، بل هي مقام لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً، بل حتى لخيار شيعتهم، قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «لنا شفاعة ولأهل مودتنا شفاعة»[3].

وللشفاعة شروطٌ:

منها: الإذن الإلهي، قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)[4]، وقوله تعالى: (مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحمن عَهْدَاً)[5]، ومنهم (مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحمنُ وقالَ صَوَاباً)[6]، فأصحاب هذه الصفات لهم منزلة عالية عند الله تعالى تجعلهم مؤهلين على الشفاعة فيمن يرتضي الرحمن شفاعتهم فيه.

ومنها: أن يكون المشفوع له مؤمناً، لكنه ارتكب بعض الذنوب والمعاصي، ولا تشمل الشفاعة للكافر بالله تعالى، أو المشرك به.

وخلاصة القول أنّ الشفاعة موجودة بصريح القرآن، غاية الأمر هي محدودة بحدود في طرف الشفعاء، وفي طرف المشفوع لهم، ولم يَرِد في القرآن الكريم ما ينفي الشفاعة بصورة مطلقة، بل الملاحظ أنّ النفي جاء بصورة خاصة، متعلقاً بفئة معينة من النّاس قد عيّنهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بصفاتهم، ومن هنا نعلم أنّ قسماً من الناس ممن يدخلون ضمن دائرة (الكفر) بشتى معانيه كما سلف في الشرط الثاني، وهم المحرومون حقّاً من الشفاعة، كقوله تعالى: (يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا أنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاكُم مِنْ قَبْلِ أن يأتيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ ولا خُلّةٌ ولا شَفَاعَةٌ والكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[7]، والاستثناء من نيل الشفاعة واضح كما ورد في الآية الشريفة فهو ينصرف للذين كانوا ضمن دائرة الكفر والظلم، والقرآن الكريم حينما ينفي استحقاق مجموعة معينة من الناس للشفاعة فإنه يؤكدها لمجموعة أخرى من الناس ممن يدخلون ضمن دائرة (الإيمان)، كقوله تعالى: (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[8]، فمن شهد بالحق، وهو يعلم يدخل ضمن دائرة الإيمان، وعليه أن نفي الشفاعة ليس مطلقاً، بل يرتفع بارتفاع القيد، عندها تُنال الشفاعة بارتفاع قيدها، وكتاب الله زاخر بالأدلة الدامغة على الشفاعة كما تقدم، غاية الأمر أنّها لا تنال قسماً من النّاس، كالمكذبين الذين قالوا: (وكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِينِ حَتْى أتَانَا اليَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُم شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ..)[9]، والمشركين كقوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ)[10]، فبعد ارتفاع قيد الكذب والإشراك حينئذ تنالهم شفاعة المتشفعين.

مجلة اليقين، العدد (32)

 


[1] ميزان الحكمة: ج2، ص1475.

[2] البداية والنهاية لابن كثير: ج8، ص114.

[3] أمالي الصدوق: ص291.

[4] البقرة: 255.

[5] مريم: 87.

[6] النبأ: 38.

[7] البقرة: 254.

[8] الزخرف: 86.

[9] المدثر: 48.

[10] يونس: 18.