جاذبية التشيع

زعم البعض أن مذهب التشيّع كان نتاج الجدال الكلامي والصراع الفكري كسائر المذاهب الأخرى، وكأنه غريب عن الإسلام وافد عليه، بعيد كل البعد عن فحواه.

ولو أن الزاعمين شرعوا في دراسته وتبحّروا في تأريخ نشأته من خلال الأطروحات العقائدية والفكرية التي ابتنى عليها التشيّع؛ لأدركوا بوضوح كوضوح الشمس في رابعة النهار، ودون لَبسٍ أن هذا المذهب لا يُؤلِّف في جوهر تكوينه وأركانه إلا امتداداً حقيقياً للفكر العقائدي الذي قام عليه الإسلام.

فالشيعة هم المسلمون من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان في الأجيال اللاحقة، من الذين بقوا على ما كانوا عليه في عصر الرسول(صلى الله عليه وآله) في أمر القيادة، ولم يغيروه، ولم يحيدوا عنه إلى غيره، ولم يأخذوا بالمصالح المزعومة في مقابل النصوص الواضحة والصريحة، وصاروا بذلك المصداق الأبرز لقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[1]، ففزع المريدون ـ الشيعة ـ في الأصول والفروع إلى علي بن أبي طالب(عليه السلام) وعترته الطاهرة، وانحازوا عن الطائفة الأخرى من الذين لم يتعبدوا بنصوص الخلافة والولاية وزعامة العترة، حيث تركوا النصوص، وأخذوا بالمصالح التي ارتأوها.

فحقيقة التشيع وجوهره إذاً يتلخص في الإيمان بالإمام المنصوص عليه من قبل الله، فهو الحاكم بإرادته وأمره، والنبي(صلى الله عليه وآله) هو من أوجد التشيع والبعث نحوه، فدعا لحب عليٍّ(عليه السلام) وتوليه، وكذا الأئمة من بعده، فالمنصوص منهم إمام كل مسلم ومسلمة، والنبي(صلى الله عليه وآله) أول من أطلق لفظ الشيعة على الأتباع والمريدين، فعن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال لعلي(عليه السلام) يوماً: «يا علي، شيعتك هم الفائزون يوم القيامة، فمن أهان واحداً منهم فقد أهانك، ومن أهانك فقد أهانني، ومن أهانني أدخله الله نار جهنم خالداً فيها وبئس المصير»[2]، فقولنا إن الخلافة منصب إلهي، لأن أمرها بيد الله لا بيد الناس، وقد تشكلت بالنص لا بالانتخاب، وبأدلة قطعية، كقول النبي(صلى الله عليه وآله): «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم أخي علي بن أبي طالب.... الى اثني عشر إماماً»[3].

فحصر اختيار الإمام بالله سبحانه، ونفيه عما عداه، لقوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)[4].

وربما يتوجه إلينا سؤال مفاده:

لكن الأكثرية هي التي اختارت خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسارت على ذلك الأمة الإسلامية بعدها جيلاً بعد جيل؟

وجوابنا: لو رجعنا إلى القران الكريم لأدركنا أن منطق الأكثرية غير معتمد عليه قرآنياً، بل ربما يفضي اتباع الأكثرية إلى السقوط في الهاوية والضلال، قال تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)[5].

ثم إن منطق الأكثرية اعتمد على بيعة الإكراه والقوة، تلك البيعة التي ولدت منقوصة خاوية، لم يتحقق فيها نصاب الإجماع أصلاً! فالأكثرية إذاً اعتمدت على تلك البيعة الباطلة، والتي قال فيها عمر بن الخطاب: (ألا إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، وقى الله المؤمنين شرَّها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه)[6]، فأي أحقية لتلك الأكثرية؟!

وجاء في الحديث أن النبي(صلى الله عليه وآله) يرى يوم القيامة أكثر أُمته تدخل النار، وحين يسأل عن السبب يُقال له أنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى[7]، أي: تولوا غير ما أمرهم الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) بإتباعه.

فالأكثرية إذاً أخطأت، واختارت غير الكفوء.

والغريب أن بعضهم يقول: لو انحرف غير الكفوء المختار عن جادة الهداية والصلاح لقومناه ولعزلناه، وهذا منطق غريب، لأن وظيفة الخليفة تقويم المعوج في رعيته، فإذا قومته الرعية انعكس الأمر، ولأصبح محكوماً من قبل الرعية لا حاكماً.

من هنا يتبين للقارئ الكريم مدى جاذبية هذا المذهب المبارك لاتباعه، وللمستبصرين الذين دخلوا فيه خصوصاً، ولكل من اطلع عليه من سائر الأديان والمذاهب عموماً.

مجلة اليقين، العدد (29)

 


[1] الحجرات: 1.

[2] أمالي للشيخ الصدوق: ص66.

[3]الكافي للكليني: ج1، ص529.

[4] القصص: 68.

[5] الأنعام: 116.

[6] صحيح البخاري: 8، 210، ح 6830.

[7]الميزان لمغنية: ص16.