المشيئة الإلهية

قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)[1]، أي لو شاء ربك لألجأهم إلى الإيمان ولكن الله إن فعل ذلك زال التكليف عن العباد، لأنه لا يكون الأمر والنهي إلا مع الاختيار لامع الاضطرار، فأراد الله أن يؤمنوا على وجه التطوع لا على وجه الإكراه كما تقدم: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ)، فالله أقدر على الإكراه ولكن: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[2]، وأيضاً: (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)[3]، وكان باديا ذلك في قصة فرعون ومن معه إذ لم ينفعهم إيمانهم وقت الإكراه عند مواجهة العقاب، فالله سبحانه لم يشأ الشرك لعباده وكذب من ادّعى عليه مقبولية الشرك عنده: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ)[4]، فقالوا إنما اشركنا بمشيئة الله ولو شاء الله لحال بيننا وبين الشرك،  فلذا كذبهم الله بقوله: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا)[5]، أي عذابنا، فأنّى لهم هذا العلم بأن الله لا يعترض على شركهم، فقال لهم عز من قائل: (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ)[6]، أي تكذبون، ولو شاء الله الشرك لكانت الرسل قد دعت خلاف ما شاء الله، فقد دعت للإيمان، فعليه كان المكلف مختارا، فقال تعالى: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)[7]، فمن أراد الدنيا فله ما اختار، ومن أراد الآخرة فنعم الاختيار، فقال تعالى: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ)[8]، (وَالله يُرِيدُ الْآَخِرَةَ)[9].

مجلة اليقين، العدد (16)

 


[1] يونس:99.

[2] البقرة:256.

[3] النحل: 9.

[4] الأنعام: 148.

[5] الإنعام: 148.

[6] الأنعام: 148.

[7] المزمل: 19.

[8] آل عمران:152.

[9] الأنفال: 67.