التشريع الإلهي

إن الله سبحانه وتعالى هو المشرّع والمحيط الأول بالواقع وحقائق الوجود وسن القوانين في المقام التكويني الخاص، فبعد هذا الكلام يُطرح تساؤل مربك هل للبشر قدرة على التشريع؟ فإذا كانت الإجابة بنعم فأيٌ صنف من البشر يمكنه سن القوانين والتشريعات؟ للإجابة عن هذا التساؤل توجد طريقتان، أحداهما النقل والاستدلال بالآيات القرآنية والروايات الشريفة الدالة على ذلك كقوله تعالى:

 (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[1]، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا)[2]، وأما الروايات كأمثلة ما دل على أن الصلاة الرباعية كانت ثنائية فأوكل الله تعالى التشريع للرسول (صلى الله عليه وآله) في جعلها رباعية وغيرها من الروايات، وثانيها العقل، فيمكن من خلاله إقامة الدليل لسن القوانين بسبب الحاجة والاعتبار إلى القانون والتشريع لتنظيم مسيرة الإنسان في هذه الحياة، ولكون العقل البشري محدود ومُحجّم لا يستطيع التوصل إلى الواقع ولا يحيط بجهات الحسن والقبح والموازنة بينها، فيحتاج هذا العقل المحدود إلى من يسن له تلك القوانين، فتتم صياغة الحقائق عن طريق قضايا اعتبارية وقانونية، وحتى لا تكون هذه الصياغات واهنة يجب أن تكون مطابقة للواقع مائة في المائة فيجب أن يتصف كل من يسن تلك التشريعات على علم متصل ومرتبط بالذات المقدسة وإلا لأصاب التشريع تغييرا وتبديلا كلما دارت الأزمان والأحداث عليه، لذا كان من اللطف الإلهي أن جعل سبحانه وتعالى في بني الإنسان من له القدرة على هكذا تشريع وتلك المنزلة الرفيعة والاتصال الغيبي، وبذلك تثبت له الولاية التكوينية والتشريعية وصلاحية سن القوانين، وعموما فالإنسان الذي يمتلك هكذا قابلية لا يكون إلا مظهرا من مظاهر الرضا الإلهي حتى يكون تشريعه سالما وصحيحا ومواكبا لشتى الأزمان، فيتوجه النظر للولاية التشريعية التابعة للمقام التكويني الخاص وهو مقام (العصمة)، والتي أستُرسل بها بأمر إلهي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الأئمة(عليهم السلام) وخاتمهم الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فهم أهلٌ للتشريع وسن للقوانين كما لا يخفى، فكل مشرّع مهما علت منزلته لا يوازي منزلة الأئمة (عليهم السلام) كائنا من كان وإن تسلط على رقاب العباد في حضورهم، فسلطته غير معترف بها شرعا في زمانهم لقصور مناوئيهم، ووجود التهافت في آرائهم وأحكامهم، وقياد الأمة إلى الهاوية بأفكارهم.

مجلة اليقين، العدد (11)

 


[1] النساء: 65.

[2] الأحزاب: 21.