الاستخلاف

إن من العقائد الأصولية للشيعة مسألة الإمامة واستخلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده، فهي أصل من أصول الدين وسراج منير في مدلهمات ليل ظليم، فمنذ بداية الخليقة قد استخلف الله عز وجل آدم (عليه السلام) في الأرض وكان اعتراض الملائكة على استخلافه واضحاً صريحاً بيّناً كما ذُكر في القرآن الكريم:  (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)[1]، هذا حاصل اعتراض الملائكة على تنصيب آدم (عليه السلام) خليفة في الأرض، ولم يكن في معلومهم أنه (عليه السلام) كان يملك علماً حضورياً ذاتياً له القدرة من خلاله على إنبائهم ما يجهلون، وهم فاقدون لما كان عند آدم (عليه السلام) من علم ومعرفة، فالملائكة غير قادرين على تحصيل المعرفة تحصيلاً ذاتياً كآدم (عليه السلام)، فكان حتمياً أن يكون خليفة في الأرض، لأنه القادر على تعريفهم وإنبائهم ما كانوا يجهلون، فبتلك المساحة التي أودع الله تعالى في آدم من قابلية وامكان من حيث إنه انسان، فهو المخلوق على صورة الله، فقال الرضا(عليه السلام) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرّ برجلين يتسابان فسمع أحدهما يقول لصاحبه (قبح الله وجهك ووجه من يشبهك فقال له (صلى الله عليه وآله): «يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك، فان الله عزّ وجلّ خلق آدم على صورته»[2]، وعلى العموم هناك فرق في العلم كما كان بين آدم والملائكة، كذلك كان هذا الفرق ظاهراً أيضاً بين الناس أنفسهم، فهم غير متساوين في العمل والإخلاص، وحضور الغفلة عند أكثرهم، فأصبح من الحتمي أن يستخلف الله العالم العارف على الجاهل به، وعلى مرّ الأزمان وبعد خلافة آدم استخلف الله عز وجل محمداً وآل محمد أئمتنا (عليهم السلام)، فهو أعلم وأعرف بهم، وهم أعلم وأعرف به سبحانه، بما لهم من علمٍ مودع من المُستَخلف وهو الله عز وجل، فبالإمكان معرفة المُستَخلف وعظمته والخليفة ومكانته (بما هو إمام له مقام الإمامة)، بواسطة العلم المؤتمن عنده(عليه السلام)، فنقول باعتبار أنه (صلى الله عليه وآله) حامل رسالة من مُرسِل فهو رسول يُعرف هو ومُرسِله برسالته، فأصل الدين وعموده هو الاستخلاف، فمن نقضه نقض الدين، ولهذا أكد الأئمة(عليهم السلام) أنّ من اغتصب حق أمير المؤمنين(عليه السلام) كان المنحط الأوفر حظاً في نقض الإسلام، ليس لاغتصابه حق أمير المؤمنين (عليه السلام) فحسب بل هو نقض للأصل الذي يرتكز عليه الدين، فكان تمهيدا لانحراف الناس عن هذا الأصل وهو الاستخلاف فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)  قال: «... من سنّ سنّة سيئة كان عليه وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»[3].

والحمد لله رب العالمين

مجلة اليقين، العدد (10)

 


[1] البقرة: ٣٠.

[2] الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص385.

[3]  الأمثل لمكارم الشيرازي ج 4ص 545.