التوحيد والشرك

لا شك في أنّ الأنبياء بُعثوا لنشر التوحيد، وإزالة الشرك وإنما الكلام في الموارد التي عدّها الوهابيون شركا، دون سائر المسلمين فرُبّ أمر تعدّه جميع الفرق تكريما واحتراماً، ويعدّه الوهابيون عبادة وشِركا، فتجد هؤلاء يعدّون التوسل بالأنبياء والأئمة ودعائهم والاستغاثة بهم والتبرك بالمشاهد المشرفة والصلاة عندها شركا، ويعنون بذلك الشرك في العبادة أو في الألوهية حسب تعبيرهم وكل ذلك عند الشيعة أمورا مباحة بل مستحبة مأمورا بها من دون أن يكون للإشراك شائبة فيها، فلتحديد معنى العبادة عن غيره نقول إن للتوحيد ثمانية مراحل هي التوحيد في الذات وفي الصفات وفي الخالقية وفي التدبير والتقنين والتشريع وفي الطاعة والحاكمية وفي العبادة لله، والشائع بين الوهابيين تقسيم التوحيد الى قسمين، وهما التوحيد في الربوبية والتوحيد في الألوهية، وعلى قولهم في الربوبية بمعنى الاعتقاد بخالق واحد وهو عند المشركين إبّان عهد الرسالة أيضا، والتوحيد في الألوهية ويقصدون به التوحيد في العبادة أي عبادة الله فقط، وهذا ما كان يفتقده المشركون آنذاك وقد انصب جهد الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) على هذا الأمر، والحق أن اتفاق جميع المشركين في عهد الرسالة على التوحيد الخالقي ليس موضع شك، ولكن تسمية التوحيد الخالقي بالربوبي ، وتسمية التوحيد في العبادة بالتوحيد الألوهي خطأ واشتباه، لأن معنى الربوبية ليس هو الخالقية بل ما يفيد التدبير وإدارة العالم ولم يكن موضع اتفاق بين المشركين في عهد الرسالة كما أدّعوا، وإن كان التوحيد في الخالقية موضع اتفاق بينهم، والدليل على أن الربوبية لا تعني الخالقية، قول الله سبحانه: (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ)[1]، فلو كان المقصود من الرب هنا هو الخالق لكانت جملة (الذي فطرهن) زائدة لأننا لو وضعنا لفظة (الخالق) مكان (الرب) في مطلع الآية للمسنا عدم الاحتياج إلى الجملة المذكورة (الذي فطرهن) بخلاف ما إذا فسر الرب بالمدبّر والمتصرف ففي هذه الصورة تكون الجملة الأخيرة مطلوبة لأنها حينئذ تكون علة للجملة الأولى فتعني: (أن خالق الكون هو المتصرف فيه وهو المالك لتدبيره والقائم بإدارته)، وأمّا الألوهية فلأن الإله ليس بمعنى المعبود بل لفظ الإله ولفظ الجلالة (الله) متساويان، والتفاوت بينهما هو كون الأول كليا، والآخر مصداقا لذلك الكلي، وهو المصداق الوحيد، وربما يدلّ إستعمال لفظ (الله) مكان (الإله) على وجه الكلية والوصفية دون العلمية فيصح وضع أحدهما مكان الآخر كما في قوله سبحانه: (وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ)[2]، فهو مشابه لقوله سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ)[3]، وأخيراً فكل ما يفعله الشيعة من أمور مباحة أو مستحبة ليست شركاً كما وقع الوهابية فيه من خطأ واشتباه بل عبادة حقة.

مجلة اليقين، العدد (7)

 


[1] سورة الأنبياء: آية 56.

[2] الأنعام: 3.

[3] الزخرف: 84.