حب النبي والعترة

الحُب والبغض خلتان تتواردان على قلب الإنسان، تشتدان وتضعفان، بحسب العوامل والأسباب الطارئة عليهما، ولا شك إن حُب الإنسان لذاته من أبرز مصاديق الحُب، ومن هذا المنطلق فحُب الإنسان لما يرتبط به، أو ما يمت إليه بصلة، سواء كان ماديّاً كالأولاد، أو معنويا كالعقائد والأفكار متشعباً في قلبه وأحشائه، وربما يكون حبه للعقيدة أشد من حبه لأمه وأبيه وولده، فيذُب عن حياض العقيدة بنفسه ونفيسه، وتكون العقيدة أغلى من نفسه التي بين جنبيه، ولوجود هذه الأرضية تضافرت الآيات والأحاديث على لزوم حب النبي (صلى الله عليه وآله) وكل ما يرتبط به، وليست الآيات إلا إرشاداً لما توحيه فطرة الإنسان إليه فقال سبحانه: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ)[1] وعليه فإن صلة النبي الوثيقة بالله وارتباطه بخالقه، وما يحمل من مناقب وفضائل ومحاسن أخلاق وسعيه الحثيث في هداية الأمة توجب المحبة والمودة له (صلى الله عليه وآله) تقديرا لهذه العلاقة وتثمينا لهذه الصلة المقدسة بالخالق، وقد شرّف الله تعالى نبيه بأسمى آيات التشريف، كقوله تعالى: (إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[2]، ومن الأحاديث الدالة على حب النبي (صلى الله عليه وآله): قوله: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده والناس أجمعين)[3]، وإذا حث القرآن الكريم على حب النبي، فهو في الوقت نفسه دعا لحب ذوي قرباه كقوله تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[4]، فقوله (صلى الله عليه وآله): (يا علي إن الإسلام عريان لباسه التقوى، ورياشه الهدى ، وزينته الحياء، وعماده الورع، وملاكه العمل الصالح، وأساس الإسلام حبي وحب أهل بيتي)[5]، والإنسان لا يقف عند هذه الروايات إلا ويندفع إلى مودتهم ومحبتهم من دون إرادته فهم أعدال القرآن الكريم بموجب حديث الثقلين المتواتر عند المسلمين والذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض)[6]، فهم أئِمة الهُدى ومَثلَهم مَثل القرآن الكريم في إنقاذ البشرية من تيه الجهالة وحيرة الضلالة وهدايتها إلى الحياة السعيدة .

مجلة اليقين، العدد (6)

 


[1] التوبة: 24.

[2] الأحزاب: 56.

[3] في ظل أصول الإسلام للشيخ السبحاني ص74.

[4] الشورى: 23.

[5] شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي ج18ص488.

[6] المعتبر للمحقق الحلي ج1 ص32.