ماذا يهدف إليه الحج؟

مما لا شك فيه أن أول ما يهدف إليه الحج وأهم ما تقصده مناسكه هو المزيد من توجيه العبد إلى الله، ودفعه نحوه، وحثه على الخضوع له، وتقوية صلاته به سبحانه، وتعميق الإيمان في قلبه وتكريس الاعتقاد بوحدانيته في ضميره.

ونقول بإيجاز: إن الهدف الأهم من الحج هو العبادة والتعبد، ابتداءً من الإحرام للعمرة ومروراً بالطواف بالكعبة المشرفة فالصلاة فالسعي فالتقصير ثم الإحرام ثانية للحج فالوقوف بعرفة فالذهاب إلى المزدلفة والوقوف بها، فالذهاب إلى منى والمبيت بها ليالي، فالنحر أو الذبح فالحلق فالطواف بالكعبة المعظمة أيضاً، وانتهاءً بالسعي بين الصفا والمروة، وما يتخلل كل ذلك، ويصاحبه من أدعية وأذكار، وامتناع عن محرمات خاصة، قربة إلى الله سبحانه وتعالى.

إنها العبادة في أفضل أشكالها، وإنها إظهار العبودية في أعلى مظاهرها، وإنها الخضوع لذي الجلال في أسمى صورة وأنماطه، وإنها التضرع إلى الله في أعمق أنواعه.

فالحج عبادة جامعة تتوفر فيها كل عناصر العبودية، وكل أشكال الخضوع والطاعة للرب العظيم الكريم، من انقطاع عن الدنيا، وإعراض عن الشهوات وتضحية بالمال، وتذلل وذكر وتهليل وتسبيح وتمجيد وتكبير، وتوحيد لله في الطاعة والانقياد والخضوع والالتماس، والاستعانة والعبادة، وخروج عن إطار الرغبات المادية، وتناس مؤقت للمال والولد والأهل والوطن في سبيل الله، ومن أجل الله، وبأمر الله، وتقرباً إلى الله، وامتثالاً لحكم الله، وتنفيذاً لإرادة الله، وتلبيةً لنداء الله وحده لا شريك له.

وهل فرض الحج على عامة المسلمين رجالاً ونساءً، شيباً وشباناً، ومن كل لون وجنس، ليؤدوا أمراً في مجال العلاقة بربهم خاصة، دون أن يكون لهذا الواجب المقدس أي مفهوم اجتماعي، وأي ارتباط بحياتهم وشؤونهم؟

وهل أصغر عمل عبادي في الإسلام يخلوا عن مفهوم اجتماعي، حتى يخلو منه هذا المنسك العظيم، وهذه الفريضة الكبرى ذات الأجزاء الكثيرة، وذات الطابع الاجتماعي.

إنَّ الآيات القرآنية، والسنة والشريفة وسيرة السلف، وأقوال العلماء، كلها تجمع على أن هدف الحج لا ينحصر ولا يتلخص في كونه مجموعة من المراسم العبادية المحضة، شأنه شأن غيره من الفرائض الإسلامية كالصلاة والصيام والزكاة والجهاد وغيرها التي لا تشتمل على الأمور التعبدية فقط، بل تنطـوي على أهداف اجتماعية وآثار سياسية في حياة المسلمين، أفراداً وشعوباً.

مجلة اليقين، العدد (4)