ضيافة الأربعين

عُرفت الكثير من القبائل والشخصيات في البلدان العربية -خصوصاً ما كان في زمن الجاهلية- بكرم الضيافة والاستقبال، وقد تجذّرت الضيافة في عاداتهم وتقاليدهم حتى أصبحت جزءاً من موروثهم الذي تناقلته الأجيال والكتب، وقد برزت لديهم قوانين وأصول لتلك الضيافة، فهناك أصول للاستقبال والإيواء والإطعام، بل هناك أصول حتى في طريق الكلام والنظرات وغير ذلك، ممّا دفع تلك القبائل أو الأشخاص إلى توريث تلك العادات وقوانينها إلى أجيالهم؛ حتى تبقى تلك الصفات حاضرة فيهم، ومن تلك الأصول أنّهم يشعلون النار في الليل؛ ليهتدي إليها مَن ضلّ سبيله في الصحراء، فيحسنون إليه ويكرمونه ويرشدونه، وقد كانوا يحتقرون مَن لا يُكرم الضيف، وينظرون إليه بأنّه شاذّ عن عاداتهم، وفاقد لأخلاقه التي صارت عرفاً سائداً عندهم.

 وعندما بزغ نور الإسلام ومجيء النبي الخاتم(صلى الله عليه وآله) بشريعته الإنسانية فإنّه أقرّ تلك العادات النبيلة والخصال الحميدة، فشجع عليها أيّما تشجيع، وحثّ عليها أيّما حثّ، ووعد كلّ مَن أكرم الضيف وأطعم الطعام بالأجر العظيم، وفي ذلك أحاديث كثيرة مستفيضة لا تستوعبها هذه الأسطر، واليوم نرى تلك الضيافة وأصولها حاضرة عند أتباع أهل البيت(عليهم السلام) في الأيام المباركة لزيارة أربعين الإمام الحسين(عليه السلام) في العشرين من صفر في كلّ عام، حيث تفرش الموائد على مئات الكيلو مترات، وبأكثر من خمس وعشرين يوماً متواصلة، يبذل فيها صنوف الخدمات المتنوعة والمتعددة لا تكاد تحصى من كثرتها وتنوعها، فنرى الكبير والصغير، والمرأة والرجل، وصاحب الشهادة والأُمّي، وصاحب المقامات الرفيعة والبسيطة، قد استنفروا هممهم، وشمّروا عن سواعدهم، ففتحوا القلوب قبل البيوت، وأطعموا ضيوفهم حسن الاستقبال قبل لذّة الطعام، وتجاوزوا حدود الضيافة التي سمعنا عنها في الأولين، وأبدعوا في طرق التذلّل والتوسّل لزوار أبي الأحرار(عليه السلام)؛ عسى أن يتفضلوا عليهم بليلةِ ضيافةٍ أو بضعِ ساعاتٍ من نهار!

فحقّ لمَن أدرج (خدمة الضيافة في الزيارة الأربعينية) على لائحة التراث العالمي لليونسكو ضمن خمس عشرة ممارسة ثقافية عالمية.

مجلة ولاء الشباب العدد (66)