ارتبطت كثير من الشّعوب بتقاليد وحضارات مختلفة ومتنوّعة وحسب طبيعتها التّكوينيّة أو الجغرافية أو العرقيّة أو الدّينية أو غيرها، ويقام مهرجانات واحتفاليات لذلك، وتتميّز أكثر هذه المهرجانات والاحتفاليات بتصرّفات غريبة ومؤلمة، ينتج عنها في بعض الأحيان العوق أو الوفيات! والغريب أن هذه المهرجانات أو الاحتفالات تلبس زيَّ التحضر والتمدّن، وأنّها موافقة مع الوعي والتعقّل، في حين أنها مخالفة لشرع السّماء وسنن العقلاء من البشر، ومن تلك الفعاليّات التي تقيمها بعض الدّول هي إقامة مهرجان للملاكمة الحرّة في روسيا، وهو مهرجان شعبي تقليدي، يقام سنوياً قبل أعياد الأرثوذكسية، حيث يتبارز الشّبان في حلبة المصارعة، دون أن تحكمهم أية قوانين أو أعراف في هذه اللّعبة والمبارزة، وتستمرّ المبارزة بينهم إلى حدِّ الإدماء!
ونلاحظ على هذا المهرجان أنّه من المهرجانات العنيفة التي يصل الحدّ بها إلى الإدماء، وهذه النتيجة لا ترتضيها تلك المجتمعات لغيرها، في حجة التحضّر والتمدّن، في حين أنها ترتضيها لنفسها، وتعدّها صورة حضارية لشعوبهم، في حين أنها مهرجانات تخالف فطرة الإنسان، وتخالف أعراف العقلاء على وجه هذه الأرض، لأنها ألعاب ومهرجانات تتضمّن العنف والقسوة والإدماء، والأغرب من ذلك أن لو كانت هذه الممارسات والفعاليات تمارسها مجتمعاتنا العربية أو الإسلامية لقامت الأرض ولم تقعد، بل تتعالى الصّيحات والمطالبات من هنا وهناك لإيقاف هذه الممارسات والفعاليات، ولنعتونا بأقسى النعوت والصفات، نعم يبقى الموقف الشرعي سواءً كانت هذه المهرجانات عندنا أو عندهم هو أن يكون الإدماء بالحدِّ المتعارف الذي لا يعدّ إهلاكاً وإتلافاً للنفس، كما في بعض الممارسات العاشورائية في بلادنا الإسلامية -على تفصيل بين الفقهاء في هذه الممارسات-، وإلا كانت هذه الممارسات حراماً ولا تجوز شرعاً؛ لما فيها من إتلاف للنفس المحترمة التي أعطاها الله تعالى عصمة دمها، والتحفّظ عليها، ولا يجوز إتلافها إلا بسبب شرعي كالقصاص وغيره.
مجلة ولاء الشباب العدد (61)