التشاؤم

يربط الكثير من الناس بعض الحوادث والمواقف بأمور غير عقلائية، ليس لها علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد، وهذا خلاف ما عليه الفطرة الإنسانية السليمة، وما عليه ديننا الحنيف، فنرى أنّ دين الإسلام نهى عن التطيّر والتشاؤم، ونهى عن ربط بعض الأمور ببعض دون علل أو أسباب عقلائية، لكن نجد بعض شعوب العالم لا زالوا يعيشون تلك الخرافات والأوهام، بل يرونها متلازمة لا تنفكّ ولا تتغيّر أبداً، ويتعاملون معها بكلّ واقعية، وهناك بعض التصرّفات التي لا تنبئ عن تحضّر الإنسان، ولا تعكس مستوى ثقافته، فمثلاً: يتشاءم الألمان من التهنئة المبكرة بعيد الميلاد؛ إذ يعتقدون أنّ من تتم تهنئته قبل موعد عيد ميلاده الفعلي، فإنّه سيلقى حتفه قبل أن يحتفل به! وهذا من غريب العادات التي لا زالت تعيش في تلك الأمم، هذا مع تطورها في مجالات الطبّ والصناعة والتكنولوجيا والزراعة وغيرها، مع أنّ كلّ البشر يُدرك أنّ الموت وميعاده ليس بيد الإنسان، ولا بيد هذه الملازمات الباطلة، بل يعتقد الكثير من البشر -كما عليه الأديان السماوية- بأنّ المؤثر الوحيد بالموت في عالم الأسباب هو الله جلّ شأنه، وأنّه (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[1]، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[2]، ومما يجزم به أنّ منطق التشاؤم هو منطق الجهل والضلال، قال تعالى: (قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَـئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)[3]، وصدق الشاعر:

لَعْمري ما تَدْري الطَّوَارِقُ بالحَصَى

وَلا زَاجِــــراتُ الطَّيرِ ما اللهُ صَانــــعُ

وممّا يؤسف له أنّ هذه الأوهام دبّت إلى مجتمعاتنا المسلمة، فترى الكثير يتشاءم من الغراب، أو حدوث أمر مفاجئ أمامه، أو غير ذلك، فعند بعض الناس لا يجوز زيارة قبر الميت مثلاً قبل أربعينه، والخروج مشؤوم عند سماع صوت الغراب، وغير ذلك، وكلّ هذه الأمور غير واقعية، وأساس القيام بالأعمال يكون بالتوكّل على الله تعالى؛ إذ هو المؤثر في الأشياء كلّها، وهو على كلّ شيء قدير.

مجلة ولاء الشباب العدد (59)

 


[1] سورة غافر: آية 68.

[2] سورة لقمان: آية 34.

[3] سورة يس: آية 18.